Culture Magazine Thursday  16/02/2012 G Issue 363
تشكيل
الخميس 24 ,ربيع الاول 1433   العدد  363
 
محطات تشكيلية
أحدثت اتجاهات متعاكسة في الفنون التشكيلية
هل الحداثة التشكيلية ضيف مؤقت أم توجُّه يحمل مؤشرات الخطر على الساحة؟
إعداد: محمد المنيف

 

لا يختلف عاقل مع أي طرف يرى أهمية التطور والتجديد والبحث عن سبل ووسائل التعريف بالإبداع المحلي إلى العالمية. ولا شك أن مجاراة ما يحدث في العالم من نشاط فاعل وسريع وبهذه الكثافة من أعداد الفنانين ودور العرض والمؤسسات الفنية، التي وجدت في الفنون الحديثة فرصة ومساحة من الكسب المادي بعد تجاهلها فترات طويلة، فرصة للتواصل والدخول في هذه الموجة. ولا يمكن لأي فنان يمتلك القدرات الابتكارية وروح المغامرة أن يبقى متفرجاً دون أن يدخل تلك الموجة ويتعامل معها، لكن الأمر هنا يحتاج إلى إعادة ترتيب للأوراق كما يقال، وأن يعرف هذا الفنان وذاك مع من يتعامل، وماذا ينبغي له أن يفعل، وكيف له أن يسير بخط متواز مع ما يدور حوله، اعتماداً على الكثير من الأسس والمقومات، أهمها الالتزام بثوابته التراثية والثقافية التي تشكّل هويته، ومعرفة كيف يواجه التيار القادم بقوة، ظاهره يحمل بريق الشهرة دون معرفة ما يحويه ذلك الغلاف. ومع ذلك يجب ألا يكون هناك ما يخلق جواً من الرهبة أو الخوف من التجربة على أن تكون بمستوى المنافسة؛ فالعوم عكس التيار قد يؤدي للغرق كما أن المطاوعة أو الاستسلام للتيار قد ينتهي بمن يعوم معه إلى جزيرة نائية لا يتمكن من العودة منها إلى بر الأمان. ففي الفترة الأخيرة أصبح الاتجاه للفنون الحديثة يشكّل مطلبين، الأول يخص الفنانين، والآخر يتعلق بالمحيط أو الجمهور، وبين هذا وذاك الكثير من المحاذير والمطالب؛ فلكل منهم خصوصيته. من هنا يمكن لنا أن نسلط الضوء بشكل عام على هذا الواقع الجديد الذي يجد الرغبة الجامحة من نخبة من التشكيليين ودعماً من الجهات الرسمية بعد أن أصبحت هذه الفنون أمام الأمر الواقع الذي لا مفر منه وجزءاً من مستقبل الفنون في أي موقع من العالم، والفن السعودي (المحلي) لا ينفصل عنه.

محيط يفتقد الثقافة التشكيلية

افتقاد الثقافة البصرية في محيطنا الاجتماعي من العامة مروراً بغالبية المثقفين وصولاً إلى ما يعدّ رافداً، المتمثل في المقتني، من أهم ما يمكن أن يواجه موجة التحديث والتطوير في الحراك التشكيلي الذي يعتمد على الفكرة وتوظيف مختلف أدوات التعبير المعتادة، أو ما جد من سبل توظيف الوسائط المتاحة صناعية كانت أو بيئية خدمة للمضمون المراد التعبير عنه، وبما ظهر به ذلك الاتجاه من اعتماد على سبيل التعبير التي قد لا تتوافق مع استيعاب المتلقي؛ ليصبح بها العمل نخبوياً أكثر منه للعامة، لا يتعدى حدود المجموعة أو الفئة (المتخصصة).

ضيف مؤقت أم مؤشر خطر؟

من الأسئلة المطروحة التي يبحث الكثير عن إجابات عنها وضع الفنون التشكيلية الحديثة، هل تصبح بديلاً للسبل السابقة أم أنها ضيف مؤقت؟ وهل في إحلالها بديلاً يحمل مؤشرات الخطر على الساحة..؟ إذ يعني السؤال في شقه الأول بأنها ضيف مؤقت التوقُّع الأكثر حضوراً؛ نظراً إلى أن مثل هذه الفنون جاءت في فترة ما زال الفن التشكيلي المحلي فيه يتلمس موقعاً مؤثراً وحضوراً بارزاً في أوساط المجتمع، وخصوصاً المثقف، ويحظى باهتمام المسؤولين والجهات المعنية به، ويتلقى الفنانون فيه عروضاً للاقتناء, فأصبحت مرحلة تسير فيها الأساليب أو الاتجاهات الفنية بخطين متوازيين، يقتربان من بعضهما أحياناً، ويبتعدان أحياناً أخرى غير مؤثرة. ما زالت اللوحة أو العمل الفني فيهما ما يلامس فهم وقبول المجتمع على اختلاف شرائحه ومستوياته الثقافية (التشكيلية المقدرة للعمل الفني). أما عن الشق الآخر فإن في إمكانية إحلال الفنون التشكيلية الحديثة بديلاً نتيجة ما يشاهد من المد في هذا الجانب، وامتداد موجته إلى أن أصبح فرصة سهلة للدخول في عالم الفنون، توقُّعاً لا يمكن حدوثه لأسباب، منها أن التجربة لم تنجح عالمياً مهما أُقيمت لها تلك المساحات من الإعلان والاهتمام الإعلامي تبعاً لتوجهات الفنون في العصر الحديث نحو الفن عامة والفن الحديث خاصة، التي تتمثل بالاهتمام بالفن من خلال النظرية الجمالية الحداثية التي انتهجها نخبة من الفنانين، وخصوصاً في الفترة الأخيرة من القرن العشرين، كان من أبرزهم الفنان مارسيل دوشامب، الذي ترك مجال الرسم والتصوير الزيتي ، ومارس أعماله التي اعتمد فيها على أدوات تعبير، منها الجاهزة أو السابقة التجهيز.. مثل (المبولة) التي أعجبت نخبة السرياليين لحملها التعبير الساخر؛ ليسطع بعد الحرب العالمية نجم دوشامب لدى جيل الشباب الذين يرون في نزعاته وأسلوبه تفعيلاً للفن في الحياة ما بعد الحداثة والخروج بها من القيود المغلقة التي صنعتها الحداثة حول نفسها بمفهوم جديد لطبيعة هذا الفن ووظيفته. ومع هذا كله ومع ذلك التيار فإن مثل هذه الأعمال تبقى حبيسة ورش الفنانين ومحترفاتهم إلا ما قلّ وحمل صفة الندرة وإمكانية الاحتفاظ بها متحفياً. أما عن خطورتها فإن مثل هذا الاندفاع وبهذه السرعة يؤكد عدم اتكائه على أسس قوية وإنما هي موضة أو صرعات وقتية لن يكون لها عُمْر، ولن تبقى إلا ما بقيت المعارض الداعمة لها (الغربية) التي تحيط بنا وتبث سبل تبشيرها الفني التغريبي. ومن أهم ما يجعلنا واثقين بعدم الاستمرار أمور، من أبرزها عدم تقبل الجمهور الشرقي مثل هذه الإنجازات مع ما نحمله لها نحن المختصين من إعجاب وتقدير من ناحية مضامين وابتكار سبل التعبير، كذلك افتقاد الكثير منها الهوية وابتعادها عن الموروث الثقافي الخاص بنا كعنوان لحضارتنا الإسلامية أولاً والعربية ثانياً، وهما كل لا يتجزأ أو ينفصل.

تجارب الفن الحديث

بين الاستيراد والتصدير

لا شك أن ما حدث ويحدث وسيواصل حدوثه من هذا الحضور الكبير للأساليب الحديثة في الأعمال الفنية، وخصوصاً في كثير من قاعات العرض التي تتبنى مثل هذا التوجه، خطوة تحسب لهم، مع الأمل بأن يكون التوجه موصولاً بالتمسك بالهوية كما أشرنا في سياق الحديث، وألا تكون الأعمال مجرد تقليد لفكر معين قد يجر الساحة لموجة لا يمكن معرفة نهايتها؛ فالفنان التشكيلي جزء من محيطه، وليس تابعاً لثقافات أخرى يجهل منابعها ومواردها، وهنا تبدأ مرحلة أخرى في كيفية الاستفادة من مثل هذا التوجه بين استيراد للسبل والأساليب والثقافات وكيفية مزجها بطريقتنا وبمقادير نحن من يبتكرها من منتجنا الثقافي والفكري وبما يحمله من قيم دينية واجتماعية شكَّلت إنسان هذه الأرض، وجعلت له مكانة وقيمة؛ لنعيد بعد هذا التشكيل والصياغة تصدير الفنون بمفهوم عالمي وطبقاً للحداثة وبعلامة إبداعية مسجلة لنا خاصة، نفرض بها فنوننا على المجتمعات الأخرى، لا أن يفرضوا علينا فنونهم.

الأعمال الحديثة فكراً أكثر منها جمالاً

لا شك أن في الأعمال الحديثة متسعاً من الحرية لدى الفنان في التعبير عن الواقع فكراً يشمل القضايا الاجتماعية والسياسية وخلافها، لكنها في الوقت نفسه، وبناء على ما يتطلبه الطرح من خروج عن المألوف، القصد منه الجذب ثم إثارة الدهشة فالولوج في أعماق المضمون، وما قد يشتمل عليه مثل هذا الطرح من تجاوز في كثير من الأحيان للذوق العام كجزء من سبل التعبير، كان منها عرض مخلفات آدمية وبقايا زبالة ذات رائحة نتنة في أحد المعارض العالمية، إلى آخر أنماط العرض والتجهيزات والوسائط؛ ما يجعلها أكثر قرباً للتعبير عن الفكرة دون النظر للجانب الجمالي فيها. والواقع أن ما نعيشه من تدني الحال في مختلف أقطار العالم من أحداث وقضايا إنسانية أفقدتنا ذلك الجانب الذي كنا نبحث عنه في المعارض لمنح الوجدان والعقل والروح فرصة للاسترخاء والعلاج من خلال مشهد جميل أو ألوان جذابة. ومن المؤسف أن يصبح الفن الحديث ببشاعته جزءاً من هذا الواقع.

ضياع حابل المحترفين بنابل الهواة

الجانب المخيف الذي سينعكس تأثيره على الساحة يبرز في رؤية زخم كبير من الهواة وليس الموهوبين في الفن من الذين يعتقدون أن لديهم ما لدى غيرهم من أصحاب القدرات، فيعتبرون أن مثل هذا الأداء السهل والمتاح مجال للحضور وتسجيل أسمائهم في قائمة الفنانين وتقديم أعمال تشبه ما يشاهدونه من أعمال المحترفين، لكنها لا تحمل مضموناً واضحاً أو فكراً نيراً عائداً من دراسة مستفيضة وعلم مسبق بما سيؤول إليه عرض العمل ومدى تأثيره على المشاهد وبقائه في ذاكرته. ومن المؤسف أن نجد هذا الاندفاع في مختلف سبل التنفيذ التشكيلية إن كان تصويراً زيتياً أو مائياً أو تشكيلاً.. إلى آخر المنظومة. بهذا نرى بداية ضياع حابل المحترفين في نابل الهواة وعشوائية الأعمال والمشاركات في المعارض التي يفتح فيها المسؤولون عنها الباب لكل من دب على أرض الفن.

monif@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة