صفاء.. وصدق الحدس.. ونباهة العقل ثلاث صفات وجدتها خلال قراءاتي لتراجم العلماء المبرزين عبر القرون الثلاثة الهجرية.
ولا جرم - والحق يُقال - فإن أساسيات العلم بعد نية صالحة سعة أفق، وبعد غور النفس إزاء المعضلات من المسائل العلمية واللغوية، ليس منها بُعد الصيت (بضم الباء)؛ فليس هذا من الأساسيات في شيء. كان يحيى بن سعيد القطان، وكان شعبة بن الحجاج، وكان مسدد بن مسرهد، ومعهم قبلهم منصور بن المعتمر، وكذا مسعر بن كدام، وحماد بن سلمة، إذا رأوا أن قد مال الناس إليهم وكثرت الحلقات خافوا أن يكون ذلك استدراجاً، لكن الله - جل وعلا - يأبى إلا أن يكون بروز العلم وتجديده حفظاً وفهماً.. دراسة ورواية.. وسداد ظن.. يأبى سبحانه إلا أن يكون ذلك على يد ثلة قليلة من بين كثر وكثر من العلماء.
ولهذا أطنب البخاري ومسلم وسيبويه والكسائي والذهبي وابن حجر والمزي على مثل هؤلاء الأجلاء.
وإنني لمورد ما يشاء الله تعالى لي أن أورد مما حضرني على نحو جليل مما يحسن إيراده في مثل هذا الزمان.. جاء:
1- (لا تُصنف حتى تعلم ما تعلم).
2- (مصيبة العلم العجلة في العلم).
3- (لا ينهض عالم ما إلا بفهم اللغة).
4- (من كثرت كتاباته ملَّه الناس).
5- (من كثرت كتاباته كرَّر وأطنب).
6- (من كثرت كتاباته يركب الإنشاء).
7- (العقل السليم لا ينضج إلا بروية وخُلق).
8- (من كثر ماله وسكنه وكثر لأناه هلك).
9- (لا يستوي العلم مع الجهل باللغة).
10- (لا تزعم التجديد في النحو مع كثير القول).
11- (الثقة في النفس جليلة إذا رافقها حسن خلق وحسن لفظ وجلال روية).
12- (سبقنا من حفظ وفهم بصلاح مقصد فجددوا ونالوا الحمد).
13- (علم اللغة كعلم النحو مادتهما العقل).
14- (ليس المهم أن تكون مسؤولاً فيكفي أن يكون لديك شعور بالمسؤولية تجاه فهم مسائل وأوجه العلم والإضافة إليه).
15- (ليست الشهرة باباً لكنها تكشف عوارك).
16- (لم يبلغ سيبويه هذا المنصب إلا بعد كلال والسير على الشوك حتى تخطى ذلك ليس كله، وحتى طلب علم الحديث سنداً ومتناً).
17- (تحرير العقل شرطه نبذ الهوى، ودحر التعصب وبذل سلامة اللسان).
18- (من لم يكن موهوباً يستطيع كسب الموهبة بقراءة سير كبار العلماء وما بذلوه وتراجم طبقات المحدثين وطبقات النحاة، كلها بين أيدينا).
19- (من طلب كثرة المال والجاه تركاه وقلاه الناس وإن زاروه).
20- (من يمكر بغيره أو يسيء إليه بحال أو مقال تركه العقلاء).
21- (حسدتني أنني كنت عالماً، وشوشت بدهاء وذكاء، ولم أحسدك لمال أو سكن أو جاه).
22- (لم يدرك أعداء اللغة خلودها؛ لأنهم وحدهم ساهموا في هذا).
23- (طلب اللغة وطلب النحو وطلب البلاغة لا يصلح ذلك لمن أراد الظهور).
24- (بذل الجهد العقلي الجاد القوي المركز يكسبك الهيبة وقوة الفهم).
25- (في «المساكين» و»أوراق الورد» للرافعي وقفات جادة بأسلوب جميل يحاكي العقل، هل قرأتهما؟).
26- (شعبة بن الحجاج - وأيوب السنحتياني - وابن جماعة - والتبريزي - والآمدي - وابن قتيبة وخلق مثلهم كانوا قبل طلب العلم واللغة والنحو والنقد يطلبون الأخلاق وحسن السمت وطلب أسباب الإضافات الجليلة، كل في مجاله، ثم هم يلتقون).
27 - (من الصعب أن تستغل غيرك إذا كان رجلاً شهماً، فإن فعلت آذاك ثم آذاك إن كان حراً).
وليس آخراً، فإن مدارك العلم تدور على الموهبة وحسن السمت الواعي وتدبر حال السابقين من علماء وأساطين القرون المتطاولة، وليس بغائب أبداً هذا، لكنه يغيب، ولِمَ لا إذا لم تقرأ تراجم من سلف، وتعيها بأذن واعية، وما يدريك؟ وما يدريك؟ فلعلك أنت تكون بازاً هواك ومستراحك لتبدي وتضيف بعد جهد وبذل وحلب للدهر تاركاً شطريه بعد الله تعالى عليهما المعول.
الرياض