سعادة الدكتورة «لمياء باعشن» الأستاذة المرموقة الأكاديمية الأديبة الناقدة المترجمة المؤرخة الرحالة مستشارة وزارة الثقافة، أضفت على شخصي الضعيف شرفًا لم أكن أشرئبُ إليه يومًا، إذ تفضلت مشكورة بزج اسمي المغمور بين كوكبة من نخبة الأدباء والنقاد الذين جمعت رقابهم بحبل واحد في مقالها بالجزيرة الثقافية تحت عنوان «فوز المرأة.. وقهر الرجال»؛ لتشن عليهم هجومًا لاذعًا شعاره «أعددت للنقاد سُمًا ناقعًا فسقيتُ آخرهم بكأس الأول»، وإحقاقًا للحق فقد فاتني الاطلاع على المقال عند نشره، حتى نبهتني إليه الدكتورة لمياء نفسها (مشكورة) عندما قابلتها في نادي جدة الأدبي وهي في طريقها لإلقاء محاضرتها الجميلة الممتعة عن الأدب الشعبي في جدة.
ولن تتخيلوا مقدار سعادتي لقراءة اسمي في المقال الساخن؛ حتى وإن كنت أحد المرشوقين فيه بحجارة الدكتورة لمياء الملتهبة؛ ولكنني أشفقت على قراء المقال وعلى رأسهم من أهدرت الدكتورة آراءهم في المقال من النقاد المشهورين والكتاب الأكاديميين الذين وصفت ثقافتهم بالوعي الذكوري المتجهل؛ عندما يجدون اسم العبد الضعيف قد حُشر بين قاماتهم فيسأل كل منهم الآخر كما سأل «عادل إمام» زملاءه في مدرسة المشاغبين «مين زكي جمعة ده؟».
ولكن سعادتي تلك التي يشهد الله أنني لا أتصنعها كانت ستصبح أكبر لو كان النقل عني في المقال حظي بالدقة وعدم الاجتزاء والانتقاء، ولأنني أقدّر أن ما ألجأ سعادة الدكتورة إلى هذا الاجتزاء هو حجم المقال في ضوء ما أثقلته به من النقولات، وددت أن أوضح موقفي بدقة وليس في إطار أي ردٍ أو تعقيب؛ حيث إنني لست طرفًا في القضية النقدية التي طرحها المقال.
فقد صورت سعادتها مداخلتي القصيرة في الأمسية الشعرية التي أقامها نادي جدة الأدبي للمبدعة المجيدة «روضة الحاج» شاعرة سوق عكاظ لهذا العام كما يلي: «من أجل هذا القصد المحرك لكل اعتراضات الرجال على فوز روضة، تورط الباحث أشرف سالم في جدل عقيم ليلة تكريم الشاعرة في نادي جدة الأدبي. حين تطرق الحديث إلى معاناة المرأة الكاتبة واصطدامها بمعوقات كابتة، فوجئنا بصراخ الباحث وغضبه الشديد من هذه الفكرة، فهو يؤمن بأن المنتج الجيد يفرض نفسه مهما كانت الظروف، ولكي يبرهن على صحة إيمانه فقد تساءل: (هل تواطأت فرنسا على تصدير أدب فولتير وموليير إلينا؟ وهل تواطأت روسيا لإيصال أدب تولستوي ودوستويفسكي لنا؟) ولأني (الكلام ما زال للدكتورة) لا أجد رابطاً منطقياً بين معاناة المرأة في مراحل تاريخية عديدة مع الكتابة وبين وصول روائع الأدب العالمي لقرائنا، فجوابي على السيد الباحث هو: ربما تواطأت فرنسا ضدنا فمنعت وصول الإبداع الرجالي العربي إلى قرائها، وربما تواطأت روسيا علينا فأجبرت شعبها على تجاهل البارعين من الكتاب العرب... السيد أشرف يريد أن يثبت لنا بصراخ المستميت أن المرأة لا تنتج أدباً جيداً، ولذلك عجزت عن فرض وجودها على مر التاريخ».
والسيد أشرف يا سادتي لم يذهب للنادي الأدبي بجدة ليلتها ليصرخ مستميتًا، بل تلقى على جواله دعوة كريمة من إدارة النادي لحضور «أمسية شعرية» للشاعرة روضة الحاج (وليس ندوة فكرية أو حلقة نقدية)؛ فبادر للحضور للاستمتاع بإبداع الشاعرة التي لم يتح له حضورها في سوق عكاظ، وأما صراخه فكان مرجعه ما تعرفه سعادة د. لمياء من خلل في النظام الصوتي بالقاعة الجديدة لنادي جدة، وهو نفس الخلل الذي حرمنا من تعليق سعادة «د. فاطمة إلياس» على محاضرة د. لمياء الأخيرة، والسيدة الفاضلة د. فاطمة هي زميلة د. لمياء وصديقتها الصدوقة؛ وهي عضو مجلس إدارة النادي التي كُلفت (مشكورة وعلى عجل) بإدارة الأمسية؛ فأقحمت على من حضروا للاستمتاع بشدو الشاعرة جدلية إقصاء وتهميش المرأة المبدعة؛ وهي قضية مستهلكة تمضّ النفوس وتصدع الرؤوس، وقد كررتها مرارًا رغم مطالبة جمهور الحضور بقصر الأمسية على الإنشاد الشعري دون مناقشات.
ولمّا طلب السيد أشرف الكلمة ركز في حديثه على نقطتين: الأولى أن «روضة الحاج» و»أحلام مستغانمي» وغيرهما من المبدعات المتميزات لو مكثن ألف سنة أسيرات للجدل في هذا الصراع السقيم العقيم؛ لما خدمن الأدب النسوي بقدر ما خدمنه بإنتاجهن الأدبي المتميز الذي نال الاحترام والتقدير لأن الإبداع الجيد يفرض نفسه حتى على المناوئ، أما الثانية فقال فيها: على افتراض أن المجتمعات العربية الذكورية فرضت هيمنتها لإقصاء الأدب النسوي، فلماذا كان كل أو جل ما وصلنا من الإبداعات الأدبية الراقية والخالدة لدى معظم أمم العالم من إنتاج الرجال؟؛ ثم ضرب أمثلة من روائع الأدب الإنجليزي والفرنسي والروسي متسائلا عن سر هذا التواطؤ العالمي؛ وهكذا كان طرحه بسيطًا منطقيًا يحتمل الصواب والخطأ؛ لأنه يؤثر ادخار صراخه المستميت لما يستحقه من قضايا الأمة وما أكثرها.
أخيرًا وحتى لا ينزعج القارئ العزيز فأنا تربطني بالأستاذتين الكريمتين «د. لمياء» و»د. فاطمة» علاقة وشيجة من الود والاحترام، حيث جمعتنا صحبة سبع سنوات سمان في «جماعة حوار» بنادي جدة الأدبي رد الله غيبتها على الثقافة العربية؛ مكررًا شكري للدكتورة لمياء لتفضلها على كويتب مغمور بمنحه تلك الفقرة الطويلة في مقالها الثري؛ وسائلا الله أن يهدينا جميعًا سواء السبيل.