Culture Magazine Thursday  11/10/2012 G Issue 383
فضاءات
الخميس 25 ,ذو القعدة 1433   العدد  383
 
لماذا يكرهون تويتر
عبدالله العودة

 

كثيرون يستخدمون تويتر.. وحتى بعض الذين يستخدمونه.. يفعلون ذلك ليشتمونه، ليشتمون الناس و»الغوغاء» في الوقت الذين يعني هذا بالضرورة أنهم يرون أنفسهم بأنهم خارج مستوى الغوغاء فهم طبقة ثانية مختلفة.. تصنف نتفسها ما تشاء غير أنها ليست غوغاء كما تزعم..بل هي «نخبة مثقفة محترمة..إلخ» من الأساليب الدعائية البسيطة. قد يستخدمون كل مناسبة لإثبات نظريتهم أن الناس غوغاء.. وأنهم بسيطون.. بينما هؤلاء المتحدثون يفترضون بالضرورة أنهم هم من يدير دفة الوعي وأن مستوى الوعي الذي يحملون هو الوعي المفترض الكافي لتهيئة الجو والمجتمع للديمقراطية مثلاً.. فهؤلاء المتحدثون هم معيار العلم والمعرفة والوعي. ولكل مجتمع كي يستحق الحرية والكرامة عليه أن يصل بالتحديد لذات المستوى من القناعات والأفكار والنتائج ، وإلا فهم «غوغاء».. هكذا يتحدث البعض.

قبل أكثر من ألف عام.. حتى الفقيه تصالح مع الغوغاء حين روي عن الشعبي مثلاً بأنه قال «نعم الشيء الغوغاء؛ يسدون السيل، ويطفئون الحريق، ويشغبون على ولاة السوء».. بينما بعض محترفي الكتابة لا يزالون يستغلون كل مناسبة لشتيمة الشعوب واستغلال كل حدث لتصعيده واستثماره في إثبات الحقد الطبقي الثقافي الذي يعيشه عبر شتم هؤلاء الناس من المشاركين في العمل المدني بأنهم غوغائيون.. بينما هؤلاء المتحدثون يفترضون في أنفسهم مستوى موهوماً من الوعي والمعرفة..

وحتى لو انتهينا إلى تقديم تعريف سلبي للغوغاء.. فإن صفة الغوغاء ليست «طبقة» محددة بل هي صفات «غوغائية» قد يتصف بها بائع الخضار، وطالب الحلقة.. كما يتصف بها تماماً كاتب الزاوية ومقدم البرنامج وكاتب المنتدى والفقيه والشبكات الاجتماعية، فهي صفة نسبية بقدر ما يتلبسها الفعل ينتسب لها ويتصف بها ويكون أقرب لها من أي شخص آخر.. فهي مشكلة أخلاقية إذا فهمناها بالشكل السلبي أكثر من أن تكون طبقة محددة تخالف هؤلاء «النخبة» المفترضة.. فبائع الخضرة في الحلقة بالطائف أو سوق التمر ببريدة قد يصبح بالتالي أكثر نخبوية (وأكثر وعياً ومعرفة) من صحفي أو فقيه أو سياسي..في موضوعات معينة بينما فئة أخرى أكثر وعياً في موضوعات ثانية وهكذا.

وهنا.. يأتي السؤال الأهم: لماذا يكره هؤلاء «تويتر» ؟ ربما لأن تويتر الذي لا تسيره مؤسسة سياسية ولا إدارية أتاح المجال لكل أحد بنفس القدر وبالتساوي للجميع بالمشاركة والحديث وإبداء الرأي والاعتراض والنقد والتحليل والسخرية وغير ذلك.. وهي الأشياء التي كانت تحتكرها طبقة هشة تصف نفسها «وقد لا يصفها غيرها» بالثقافة والوعي وحس الفكاهة والنخبوية.. فكان تويتر وسيلة فعالة جداً لكسر هذا الاحتكار الطبقي والسياسي لمنابر العلم والكتابة والتحليل.. وهو الشيء الذي استفز حرس الطبقة المثقفة القديم للحرص في الذود عن بيضة الطبقة «المثقفة» ضد هؤلاء «الغوغاء» المفترضين وضد العامة..

يكرهون تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي لأنها فضحت مستوى وعي كثيرين ممن كانوا يظنون أنفسهم فوق مستوى «الغوغاء»، ويكرهون تويتر والشبكات الاجتماعية لأنها جعلت وسائل الإعلام المحتكرة من قبل فئات محددة مدعومة من مجموعات مصالح متنفذة في مرتبة أقل تأثيراً ومتابعة من تلك الوسائل الشعبية التي يعتمد عليها الجميع وتكتب فيها كل الطبقات والشرائح. لقد ألغت وسائل التواصل الاجتماعي وتويتر هؤلاء السماسرة الذين فرضوا أنفسهم كوسطاء للعلم والمعرفة بينما يصنفون مجموعات أخرى من المجتمع بأنها غوغاء في الوقت الذين يعرفون كثيراً وجود العديد من الأدواء والاختناقات والمشاكل في أنفسهم.. وهو الشيء الذي تخلص منه هؤلاء «العامة أو الغوغاء» الذين يعيشون في استقرار نفسي أكبر وتصالح مع الذات.. ثم بعد كل هذا.. يتبرع هؤلاء «المثقفون» للآخرين بتقديم نصائح تتعلق بالعلم والمعرفة والوعي وحاجة المجتمع للجاهزية للديمقراطية والتهيئة للحرية مما جعل أحد الأصدقاء يقول بأن شرط «التهيئة» هذا يدفعك للإحساس بأننا مجتمع «الويندوز»!

لقد ألغى تويتر الفرز الطبقي بين من كان يظن نفسه بأنه الوحيد الذي يستحق أن يكتب ويقول رأيه ويعبر ويتحدث عبر الإعلام ويصل للناس وبين من لا يستحق حسب تصنيف السماسرة التقليديين للثقافة في الإعلام، ولأجل ذلك فليس غريباً أن يسبب تويتر وغيره من شبكات التواصل صدمة عنيفة لمن لم يعتد أن يتعرض رأيه للنقد والملاحظة من كل طبقات المجتمع وأن يكون مجالاً للتحليل من قبل من كان يظن نفسه أكثر وعياً ومعرفة منهم.. ولأجل كل ذلك فليس غريباً أن يكرهوا تويتر وأن يحملوا حقداً طبقياً ثقافياً على هذه الطبقات التي كانوا يحسبونها من الغوغاء فإذا هي قد تجاوزته ضوئياً علماً ومعرفة وإبداعاً.. وهو في نفس الوقت لا يزال يصرخ «أنتم غير جاهزين للديمقراطية.. أنتم غير جاهزين للحرية» !

abdalodah@gmail.com أميركا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة