(العصر الذهبي) هو العصر الأول من العصور الأربعة التي عاشها الإنسان في الأساطير اليونانية والرومانية، أما العصور الثلاثة الأخرى فهي: العصر الفضي، والعصر البرونزي، والعصر الحديدي..
وقد ظهر العصر الذهبي كبداية في (الأعمال والأيام) لهزيود، ثم تم تطويره وتنقيحه في أعمال الشعراء الرومان: هوراس، وفرجيل، وأوفيد.. الذي عرض لهذه العصور بالتفصيل في مسخ الكائنات (الكتاب الأول) فقال: وعندما وقع كرنوس أسيراً في يد زيوس، كان ذلك بداية للعصر الفضي الذي حلّ محل العصر الذهبي، وإن كان مع ذلك في مرتبة أدنى منه.
ثم كان العصر الثالث وهو عصر البرونز، الذي طبع الناس فيه بطابع من الغلظة والقسوة، واستسلموا للمنازعات وشاعت بينهم الخصومات؛ غير أنّ الشرَّ لم يكن قد غلبهم على كل أمورهم.. ثم كان أخيراً – والكلام لأوفيد – عصر الحديد الصلب، الذي اشتق اسمه من معدنٍ أقلّ قدراً، حين برزت الجرائم في أبشع صورها، وغاب الحقّ وانمحى الصدق، واختفت الطيبة، وطغت الغطرسة والخيانة وساد الطمع والخداع وتفشّت القسوة .. إلخ.
الكلام أعلاه مأخوذ في أغلبه من (معجم ديانات وأساطير العالم) للباحث والمفكر الدكتور إمام عبد الفتاح إمام، رئيس قسم الفلسفة في جامعة الكويت. وقد وجدت في معجمه هذا ما يحضّ على طرح أسئلة كثيرة في كل مادة من مواد المعجم التي تتجاوز الألف موزعة على ثلاثة مجلدات.. غير أنّ السؤال الذي أراه يستحق أن يُطرح بعد قراءة كل مادة: لماذا توقّف العالَم عن استكمال التصنيفات والتقييمات، برغم كل التطورات الحاصلة في كل شيء منذ زمن يكاد يكون كالومضة قياساً إلى أزمنة مضت متثاقلة؟؟
تبقى فصول السنة (أربعة) لأنها مقيّدة ومقنّنة بحكم الطبيعة، ولم يحدث لها أي تغيير منذ أن عرف الإنسان الأرض، ولكن .. هل العصور تظل أربعة كذلك؟ منذ ما جاء في الأساطير اليونانية والرومانية، وحتى يومنا هذا لم يظهر للعصور خامس؟!
إننا نعيش الآن عصراً أطلقنا عليه - افتراضاً – منذ زمن، مسمّى: (عصر السرعة)، لأنه عصر السرعة، بكل ما للسرعة من معانٍ واحتمالات، فهو يسرع بالإنسان جسداً وفكراً وصورة وصوتاً إلى كل مكان من الكرة الأرضية وأغلفتها الجوية وقيعانها البحرية.. وعليه فلا أجد من بد غير أن يكون هو عصرنا (العصر الخامس).. عصر السرعة.. استكمالاً للعصور الموثقة توثيقاً محكماً وفي منتهى الإقناع.. برغم تقاربها زمنياً، فما أبعد المسافة بيننا وبين تلك العصور التي لم نقتبس منها سوى مفردة (العصر الذهبي) التي نطلقها على كل شيء في ذروته، وننسى – أو نتناسى – أنّ الذروة تكمن في البدايات..!
وإذا أردنا التماشي مع التسلسل الوصفي للعصور الأربعة (الذهبي، الفضي، البرونزي، الحديدي) فلن تنتابنا الحيرة أبداً، في تسمية المادة التي نسِمُ بها عصرنا.. فبعد استهلاك (المعادن) كلها، كانت (الطاقة) بكل مكوّناتها ونتاجاتها هي سمة العصر.. هذا العصر.. (العصر الخامس) عصر الطاقة الذي هو عصر السرعة في كلّ شيء.. فكل شيء أدّى بنا إلى السرعة في كل شيء كان مصدره (الطاقة) التي حرّكت كل الآلات، ميكانيكية كانت أو إليكترونية، وصولاً إلى التقنية الرقمية أخيراً..
ولمزيد من التعميم أقول، خارج سياق العصور الأربعة آنفة الذِّكر: إنّ الباحثين والمفكرين قديماً، كانوا قد حددوا لكل ظاهرة من ظواهر الكون عصوراً أربعة.. فللصخور عصورٌ أربعة، وللغة عصورٌ أربعة، وللشعر عصورٌ أربعة، وللرسم.. للموسيقى.. للفلسفة.. للطب.. للكيمياء.. وحتى للذرّة أيضاً، لكل شيء كان له تأثير على بقية الأشياء عصورٌ أربعة؛ غير أنها جميعها، ومنذ زمن.. قد أصبحت – في تصوّري - مع الطاقة المستخرجة من باطن الأرض تحديداً، في (عصرها الخامس) من دون أن يشير إلى ذلك أحد. ويبدو أنّ الإشارة إلى ذلك لن تأتي إلاّ بعد نضوب تلك الطاقة، بكل خامات حقولها من نفط وغاز، وتجاوز عصرها إلى عصر يتسم بمادة أخرى، لن تكون إلاّ من (الأرض) التي خُلقنا منها وسنُدفن فيها. ونستطيع أن نستنتج من ذلك تفسيراً لفشل كل محاولات استغلال أشعة الشمس أو الريح – مثلاً – في إنتاج مكوناتٍ لعصرٍ جديد..
وأختم بمقولة للشاعر الروماني بوبليوس أوفيديوس ناسو (48 ق.م – 17م) المعروف بلقب أوفيد، قالها في مسخ الكائنات حين قسّم العصور التي توقفت عنده على أربعة: (إنني أرى الحقَّ جيداً، ولا أصدّق شيئاً إلاّ به، ولكنني لا أفعل دائماً سوى الباطل).!
ffnff69@hotmail.com
الرياض