إفساد الشعر اللهجي للمؤسسات التعليمية قال بشار بن برد في بيت يتيم التفرد عميق الدلالة في سلسلة البناء الإيجابي والهدم السلبي: متى يبلغ البنيانُ يوما تمامهُ إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم عندما نغوص في عمق معنى هذا البيت العظيم، يتبادر إلى أذهاننا أسئلة مهمة، ما مدى تأثير الشعر اللهجي (العامي) على منطق الأجيال لدينا؟ وهل قامت العملية التعليمية بالمساهمة بالارتقاء باللغة العربية أم ساهمت في هدمها؟
هل ساهمت العملية التعليمية بتأصيل حب اللغة العربية والأدب العربي في نفوس الناشئة أم ساهمت في تدميرها؟
والمتتبع لواقع العملية التعليمية يلاحظ أن المستوى الإبداعي اللغوي والفعل القرائي للطلاب في انحدار متواصل،وأن الضحية الدائم هو الطالب بما يشهده من تناقض مهول بين ما يقرأه في كتبه من علم راقي وما يشاهده في واقع العملية التعليمية من ممارسا المعلمين والسياسة التعليمية المتناقضة.
فهو يقرأ في كتبه المدرسية عن جحافل من الأدباء العظماء من امرؤ القيس إلى المتنبي وصولا إلى احمد شوقي، بينما يشاهد أمامه معلمين أبعد ما يكونون عن لغتهم وتطبيقاتها وإبداعها، حيث يتحاورون مع طلبتهم بألسنة جداتهم الآتي نشئن في ظلام الجهل، فينصدم الطالب لهذا التناقض بين ما يقرأه في كتبه وما يسمعه من معلمه من لهجة مكسرة، فلا تجد من المعلمين في الغالب من يحمل بين جنبيه رسالة أو هدف لتأصيل لغتنا و ثقافتنا والدفاع عنها وتثبيتها في عقول أجيالنا من خلال القدوة حيث ينطبق عليهم قول الشاعر: وغيرُ تقيٍّ يأمرُ الناسَ بالتُقى طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ وكمثال، قد نجد معلما يقرأ على طلبته قصيدة امرؤ القيس: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ثم يتبع ذلك مناقشتها بلهجته العامية، بل ويمعن في الهدم بإسماع الطلاب مقطوعات من الشعر اللهجي (الشعبي) التي تدمر الإبداع اللغوي في أذهان الطلاب، مما يسهم في انهيار القدوة المتمثلة في المعلم في أعين الطلاب، فيصبح الطالب يتنقل بين لهجة القبيلة في بيئته المنزلية ولهجة المعلم في المدرسة والتي يكون قاسمها المشترك فساد اللغة، لتنهار بعد ذلك في عين الطالب القدوة المنزلية والقدوة المدرسية.
وتأتي بعد ذلك كارثة الاحتفالات المدرسية، وما أدراك بالكوارث التعليمية التي تحدث فيها، حيث ينتقل الطالب إلى منطقة أكثر قتامة وتشويشا على ذهنه، حيث تدخل أجواء هذه الاحتفالات المدرسية الطالب في دوامة الأسئلة المتناقضة، فبعد الافتتاح بتلاوة آيات من القرآن الكريم ومعجز النبوة واللغة، يتبع هذا الإعجاز انهيار تعليمي واضح بتقديم أحد الطلاب ليصعد المنبر بقصيدة لهجية مدمرة المباني والمعاني يمارس فيها الصراخ الأجوف فيتلقاه زملاؤه على أنه هو المبدع بقصيدة الفاسدة لغويا، ليقتل هذا المشهد في داخل الطلبة الحضور كل ما درسوه من إبداع أدبي وشعري باللغة لعربية، لغة القرآن الكريم.
ونظرا لتعلق أجيالنا بالشعر وتأثيره العميق فيها أسوة بأجدادهم العرب من قبلهم، فيجب أن يُمنع الشعر اللهجي من دخول مدارسنا لفساد لسانه لغويا، وأن تتم محاسبة المعلم الذي يتحدث بلهجته أو يستخدم الشعر اللهجي لأنه يقصي الناشئة عن اللغة العربية و يفسد ألسنتهم وذائقتهم ومستوى تفكيرهم، فنتيجة لهذا الإخفاق التعليمي الفاضح يتكون جيل ضعيف في اللغة العربية إملاء وتعبيرا وفصاحة.
فلا نكاد نلمس أثرا للتعليم على منطق أبنائنا وفصاحتهم وتعبيرهم عن ذواتهم، ومما لا شك فيه أن دخول اللهجات شعرا وتحدثا في العملية العلمية وما أحدثته من تلوث لغوي وفكري سبب رئيس في ما وصلت إليه الأجيال من انتكاسة.