هذا كتاب ضخم عنوانه (الفن والغرابة) “مقدمة في تجليات الغريب في الفن والحياة” صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، من تأليف شاكر عبدالحميد، يقع في أكثر من 535 صفحة، والمؤلف بذل جهدًا كبيرًا في جمع مادته من مصادر مختلفة عربية وأجنبية في عدة اتجاهات فنية كالسينما والفنون التشكيلية والآداب وغيرها ويتكئ في تعريفاته وإيضاحاته على عدد من الشخصيات المعروفة في علم النفس وبحوثه وتحليلاته، فعن الغريب يستعيد قول فرويد أن “الغريب هو الدخيل أو الآخر غير المالوف والغرابة هي فئة المخيف من المشاعر والأفكار التي ترجع بنا نحو شيء ما قديم نعرفه كان مألوفًا لنا منذ وقت طويل” ويعود إلى فيدلر عندما يقول: “الغرابة في مظهرها الشبحي يمكن تعريفها على أنها قوة هائمة لا يمكن السيطرة عليها قوة تمر ما بين الحياة والموت وتعبر حدود العقلانية البشرية كي تؤسس فيما بين هذه الحدود مناطق خاصة بها” ويرجع إلى أبي حيان التوحيدي في إشاراته الإلهية “أغرب الغرباء من صار غريبًا في وطنه وأبعد البعداء من كان بعيدًا في محل قربه”.
ويرجع إلى بريخت في معنى التغريب “أن أثر التغريب من خلال تحويل الموضوع من شيء عادي مألوف قابل للفهم على نحو مباشر إلى شيء غريب على نحو خاص مثير للاهتمام وغير متوقع” ومضيفًا أن قوة الشكل الفني إنما تنبع من قدرته على التغريب أو الإبعاد مؤقتًا المتلقية بعيدًا عن المعايير والقيم الخاصة. مع حجم الكتاب الكبير وتنوعه نتجه إلى بعض ما يلامس الفنون التشكيلية وبالتالي فإن السيرياليين مثلاً سعوا إلى العقل الباطن وإلى الغريب للتعبير عن مكنونات نستغربها وربما تزداد الغرابة كلما أمعنا النظر وسعينا إلى مزيد من الإسقاط أو التحليل لكننا أيضًا سنجد فنانين سبقوا السرياليين في تغريباتهم عندما نتابع أعمال فنان هولندي هو بوش1450-1517 أو فنان آخر هو بر وجل، يعدُّ السريالين جددًا أمام تصوراتهم وأعمالهم الفنية، يشير المؤلف إلى حظوة بعض الفنانين -الأقدم- في أوروبا بالتقدير لتصويرهم الكائنات القبيحة والكريهة الفاسدة والمشوهة والغريبة والمخيفة والسماوات الملبدة بالغيوم والعواصف الراعدة وكأنهم يجسدون ماقاله أفلاطون قديمًا وبعده اوغسطين عن (شهوة العين)، كما يؤكد على أنه في كل عمل فني يضع الفنان جانبًا من روحه، وقد يضع ظله وقد يضع قرينه وقد يضع قناعه وقد يجسد وقد يجرد لكنه دائمًا موجود بأشكال مألوفة أو غير مألوفة، يعود إلى فرويد حول الغريب وينقل أن “الغرابة في العالم هي لحظة خاصة بالفن أقل اغترابًا مقارنة بالشرط الموجود في الحياة -الغريبة- والذي يسعى هذا الفن إلى التعبير عنه.
يأخذ عملاً لسوراه ويعرضه أول صور ملحق الكتاب وهي لوحته (بعد ظهيرة يوم الأحد) 1848 زيتية على قماش مقاسها يتجاوز المترين في ثلاثة أمتار وفيها تظهر جلسات ووقفات تبدو للوهلة الأولى أسرية عائلية أو فردية ترفيهية لكن إمعانًا في الشخوص وعموم اللوحة سنكف أشكالاً آدمية ليست شبيهة بالواقع فهناك بالفعل واقع جديد “نرى كما ينقل المؤلف الواقع الخارجي خلال عملية استبداله وإحلال واقع داخلي محله هنا حركة من مجال الوعي إلى اللاوعي وفي اللاوعي ليس هناك إحساس بالزمن فالاحساس بالخلود هو ما يوجد داخل اللاشعور وخارجه هنا...”
وفي موضوعه عن القرين يشير إلى رينيه ماجريت وفريدة كالو وينتقل إلى التفصيل عن فرنسيس بيكون وينقل عن اندريه وارهول (أنا على يقين بأنني لو ذهبت ونظرت إلى المرآة فإنني لن أرى شيئًا) ويعود إلى لوحة النسخ الممنوع لما جريت ولوحات أخرى.
المساحة في الصفحة انتهت لكن الموضوع لم ينته.
solimanart@gmail.com