جميل أن يثار موضوع الخطاب التشكيلي والأجمل أن من وراء البحث فيه وإبرازه على سطح الحراك الإعلامي التشكيلي شباب يمثلون الأجيال القادمة التي ستستلم زمام الساحة، الخطاب الذي امتد إلى الإعلام الجديد كما يسمى أو المفتوح كما يجب أن يوصف عودا إلى ما تتمتع به تلك المواقع من حرية في الطرح (الحرية المنضبطة بوعي من المشرفين كل في موقعه) فقد يكون لهذا الإعلام مساحة من التلقي للأجيال الجديدة أكثر من قراءتهم للصحف لسهولة الوصول إليها وفي مختلف أقطار العالم، إذا اعتبرنا أن الخطاب التشكيلي ليس حكرا على الفن المحلي فقط، مع أننا اليوم سنتطرق له ونستعرض بعضا من أسباب عدم تحقيقه إلا للقليل من طموح من مارسه وتعامل معه، كتابة عبر الصحف أو المواقع أو الندوات والأمسيات وخلافها.
مقتطفات من الآراء
جاء في تقرير أجراه الزميل إدريس العنزي في هذه الصفحة في عدد سابق آراء لعدد من التشكيليين نستخلصها في التالي. يقول التشكيلي عبدالناصر الكرت:
إن الخطاب التشكيلي السعودي قد تقدم في السنوات الأخيرة بصورة مقبولة وخطوات واثقة.. بعد أن مر بمرحلتين الأولى مرحلة البدايات المتواضعة، بما كان يقابله من نظرة مجتمعية غير جيدة!! فيما كانت المرحلة الثانية هي مرحلة إثبات الوجود بالعمل الإبداعي المقبول. إلى أن تشكلت القاعدة وانطلق التشكيليون يقدمون إبداعاتهم بوعي في ظل الدعم والرعاية والاهتمام والاحتكاك بالآخرين والمثاقفة مع الغير - تخطي حركة النمو، الفنانة التشكيلية والكاتبة تركية الثبيتي أضافت أن الخطاب اقتصرت مهمته لدينا على توثيق الثقافة البصرية ورصد تطور الحركة التشكيلية السعودية ويتوجّب على الفنانين من الكتّاب سرعة تخطي حركة النمو لما يتوافق مع معطيات العصر الحالي، الكاتب سليمان الهويرني أشار إلى أن المشهد التشكيلي المحلي الرصين للأسف لم يحظ بأية قراءة نقدية جادة، وأعزو ذلك - ربما - بسبب غياب النقاد المختصين بفحص هذه الفنون وتقييم اشتغالات ونتاجات منجزيها،، التشكيلي معجب الحواس يقول إن هناك فجوة كبيرة بين الاثنين، فالخطاب التشكيلي السعودي لا يتعدى كونه تعريفا بالأنشطة المقامة من معارض فنية جماعية أو شخصية، أي أنه لا يوجد فرق بينه وبين التغطية الإعلامية أو الإخبارية لهذا الحدث. كما ختم التشكيلي يوسف الحربي بالقول :
إن الخطاب التشكيلي، لدينا جاء أقل من طموح الفنانين الشباب، وذلك لأسباب عدة منها أن الكتاب التشكيليين، قلة جدا، بالإضافة إلى أنهم لم يطوروا أدواتهم الفكرية لمواكبة التسارع الحاصل بالعالم، لم يرتقِ إلى طموح الفنان وفقًا للتراكمات المعرفية لدى أصحابنا المستهدفين. التشكيلي جلال الطالب فقد بدأ زاوية في صفحة الفنون التشكيلية قائلا: إن الخطاب التشكيلي لم يرتقِ إلى طموح الفنان وفقًا للتراكمات المعرفية لدى أصحابنا المستهدفين.
عقول مدركة لأهميته
أراء تحترم ووجهات نظر تدل على متابعة جادة، ورغبات كبيرة تتجاوز الواقع، فما تعيشه قضية الخطاب التشكيلي لا يمكن إيجاد سبل الحلول لها في وقت معين، أو زمن محدد، فالأمر يتعلق بمستوى قبول المحيط أو البيئة الاجتماعية لهذا لخطاب، إضافة إلى أهمية تواصل تطوير أدواته من مرحلة إلى أخرى، وفي مقدمتها تأهيل العقول المدركة لأهميته في مختلف المواقع التي يمكن من خلالها إيصال هذا الخطاب لأكبر نسبة من الجمهور، إن كان جمهور متخصص أو لجمهور لعامة، والأخير هو بيت القصيد والأهم، إذا اعتبرنا جمهور التخصص هو من يحتاج إلى إيصال خطابه للعامة.
تنوع الخطاب وأبواق
التقليل من قيمته
أولا يجب أن نفهم جميعا أن الخطاب التشكيلي لا يتوقف على الأقلام أو ما يقدم من خلال الندوات فالفنانين أيضا بما يمارسون من إبداعات جزء هام من هذا الخطاب إذا اعتبرنا أن الهدف الأول من هذا كله هو الارتقاء بذائقة المجتمع، ومع ما يمكن أن يحسب من خطوات واجتهادات من قبل العديد من الفنانين إن كانوا كتابا أو فرسان لندوات يقدمون ما يمكن تقديمه مع محاولات في إيصاله إلى الحد الأدنى من وعي الجمهور (الحاضر أو القارئ) من غير المختصين لكن الأمر يتعلق بأطراف أخرى لا يهمها ما يتحقق من أهداف الخطاب التشكيلي بقدر ما يسعون إلى التشكيك بقدرات من حمل مهمته ولو بجهد المقل، إذا اتفقنا على أننا لا زلنا نلملم أطراف الساحة التشكيلية، إبداعا في وقت اتسع فيه (الشق على الراقع) أو نقدا وتوعية وآراء عبر المقال أو الطرح المنبري، فيؤولون ما يطرح إلى الظن السيء مما يعيق تطوير تلك الأدوات من خلال ردود الفعل الإيجابية التي تقيم ما يقال وتقوم المعوج فيه، بالحوارات المفتوحة.
أسباب التراجع
تعتبر المقالات أو الأنشطة الإعلامية الصحفية في الصحف الورقية أو عبر المواقع الإلكترونية من أبرز السبل وأنجعها مع اختلاف ما يطرح هنا أو هناك، فالصحف أو لمواقع المعترف بها رسميا متكئة على حدود متفق عليها على أعلى مستوى من المسؤولية ولهذا تعتبر الأكثر تحفظا وحفظا لحقوق الطرفين بينما نجدها أقل تحفظا في المواقع الأخرى الغير مدرجة تحت مضلة الرقابة الأدبية أولا، والإعلامية ثانيا، حيث يتم فيها نشر ما لذ وطاب من سبل السباب والتجريح، وهذا الأمر من أخطر سبل تراجع الخطاب التشكيلي المحلي، إذ لم يعد يجد القارئ المختص أو المحب لهذا الفن أي معلومة أو رأي يخدم مشروعه التشكيلي، أما الجانب الآخر فهو في نقص الندوات التثقيفية للعامة والكاشفة لمفهوم الفن التشكيلي وتوقف تلك الندوات عند حدود استعراض التجارب والتاريخ أو الحديث عن الذات، وفي مواقع لا يشارك في الحضور فيها إلا أصحاب الشأن التشكيلي ممن ينتابهم الملل والتذمر مما يعاد طرحه. كما لا نغفل أو ننسى أن لجودة المعارض وحسن اختيار مواقعها ونوعية ومستوى ما يعرض فيها من المهام الكبيرة للخطاب التشكيلي، فكيف لنا أن نعلن عن معرض يتوقع المشاهد أن يرى فيه ما يرتقي بذائقته ويفاجأ بما لايسر النظر أو يريح الوجدان.
جهل معلمي التربية الفنية
هناك جانب يغفله الكثير لإيصال أهميته في إيصال الخطاب التشكيلي في أهم المراحل العمرية ضمن ما يتلقاه الطالب في مراحله الأولية من علوم كان الأجدى أن تكون ثقافة الفنون التشكيلية أحد روافدها، أولئك هم معلمي التربية الفنية الذين لا يعيرون هذا الجانب أي اهتمام مع أن السواد الأعظم من التشكيليين هم من معلمي التربية الفنية إذ لا نرى أو نجد اهتماما بزيارة الطلاب للمعارض التشكيلية بينما نجدهم أكثر حرصا على مرافقة طلابهم لمناسبات أو مرافق أو مؤسسات أخرى. فالطلاب هم غذاء المستقبل وفي تلقينهم لغة الذائقة لتشكيلية انفتاح على عالم الإبداع حتى لو لم يكن الجميع موهوبين، فالأمر يتعلق بتربية الوجدان وتفعيل الجانب الجمال عند الفرد.
نقد التنظيم الإداري وإغفال التثقيف
لا يمكن تغطية الشمس بالغربال كما يقال فما قدمه كتاب الفنون التشكيلية لم يكن مغطيا لجانب النقد المباشر للأعمال إلا في حدود معينة أبرزها النهج الانطباعي الذي عني به التشجيع وإبراز الجوانب الداعمة حققت الكثير من النتائج الإيجابية التي لا يمكن تجاهلها والشواهد واضحة يثبتها غالبية التشكيليين في الساحة والمتميزين فيها يمكن التأكد منها ممن يحفظ الجميل فقد دفعت الأقلام التشكيلية بهؤلاء إلى المنافسة العالمية، جاء ذلك من فراسة وقدرات أولئك النقاد في اكتشاف من يتوقعون تميزه منذ بدايات تعاملهم مع سبل الفن التشكيلي فكان لهم ذلك.
لكن ما يحسب لهؤلاء النقاد ما يتعلق بالكثير من التوثيق ومتابعة سير العمل الإداري المتعلق بتنظيم المعارض من مسابقات أو إقامة المعارض الجماعية والفردية، حققت تلك الأقلام الكثير من النتائج ودفعت تلك الإدارات والأفراد إلى أن يحسبوا الحساب عند تنظيمهم لأي معرض توقف الكثير من السيئ منها إلى أن وصلت الساحة إلى ما هي عليه اليوم من انفتاح وتعدد في سبل العرض محليا ودوليا وتكاثر صالات العرض وتعدد الجهات المنظمة للمعارض من الداخل والخارج وتفاعل الساحة معها من الممكن أن يكون لها مردودا إيجابيا عند الدقة في التقييم من قبل تلك الجهات والاهتمام من قبل الفنان بنوعية تلك المؤسسات وأهدافها.
هنا نتوقف ونختم بالقول: إن الخطاب التشكيلي معضلة عالمية يمكن كشف حقائقها من أقرب الدول التي سبقتنا بالتجربة إذ لا زال الأمر كما هو ولا زال هذا الفن في حدود النخبة أو المختصين فيه، فزوار المعارض هم التشكيليين إلا من بعض المسؤولين في حفل الافتتاح.
monif@hotmail.com