إن المراقب الجيّد للحركة الجمعية للثقافة الاجتماعية في السعودية، منذ أحداث الحرم الشريف – في مرحلة ما بعد جهيمان العتيبي، وعلو صوت ما يسمى بالصحوة السلفية على كل المذاهب الدينية والحركات المدنية، يجد بأن المجتمع تمت أدلجته بطريقة أو بأخرى، بدءاً من خطاب الجهاد والإرهاب، ووصولاً لخطاب التفسيق والتكفير، وهل ترضاها لأختك وأمك.
هذا الخطاب الذي يرى بأن المجتمع كافة مجموعة من القُصَّر الذين يعوزهم الوعي بالفضيلة، ولا يعرفون شيئاً عن الأخلاق، هذا وأنا لا زلت -ودققوا معي-، أنا لا زلت أتحدث عن نظرة هؤلاء للمجتمع بكافة شرائحه وأطيافه، فما بالكم بنظرتهم لجمْع من المثقفين والمثقفات !!
هنا تكمن المشكلة يا سادة في هذا الخطاب الصحوي الذي هو في الحقيقة خطاب غفوة لا صحوة، فقد تجرَّع الطفلُ قبل الشاب هذه الأفكار التي حاربناها في قتلنا لجهيمان العتيبي ظناً منا أننا بذلك قد قضينا على جهيمان صاحب الفكر وفكرته، إلا أننا تبنينا الخطاب والفكر الجهيماني بعد ذلك، وقام الكثيرون منا بممارسة طقوسه في المجتمع. فمن المفترض علينا أن لا نلوم السيد: صالح الشيحي على ما قاله في بهو الماريوت، فالشيحي وأنا وأنتم أبناء هذا الخطاب ومريدوه أيضاً، فالشيحي لم يأت بهذه الأفكار من طالبان، ولم يستوردها من حماس، أو غيرها من الحركات الإسلامية المتشددة، بل إنها من صميم وعمق التفكير الاجتماعي والنسق الثقافي للمجتمع، بعد مرحلة حادثة الحرم الشريف بالطبع.
إن نظرتنا الدنيوية للمرأة بأنها فاسدة مفسدة، واستباحتنا لها جنسياً وفكرياً، واستلابنا لهوية الذات الإنسانية للمرأة؛ كل ذلك ساهم فيما توصل إليه الشيحي أخيراً في ليلة الماريوت المباركة.
إن ما يريده الشيحي الآن وجمع من مريدي ومؤيدي هذا الخطاب أن يطبق النموذج الطالباني لمؤتمر المثقفين هنا، فالمرأة المثقفة والشاعرة والأديبة والقاصة، عليهن أن يرتدين ذلك الخمار الأزرق الخاص بالمرأة الطالبانية، ويغطين أنفسهن من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن، وأن تقرّ كل واحدة منهن في بيتها، وتبتعد عن طريق الثقافة – الذي فيه معصية للرب –، وأن تترك الثقافة للرجال الثقاة من أهل الخير والصلاح فقط، حتى نقول بالفعل إننا نجحنا في طلبنة الثقافة أيضا.ً
@raif_badaw
جدة