تنساب الحكايات تترى عن الناقل الجوي الوطني ومحطات النقل الوطنية، لكنني لن أتناول خطوطنا الجوية العتيدة؛ إذ يكفي ما سال من حبر بشأنها، دون أن يصلح حالها. وسأروي حكاية يومين كغيرهما من الأيام في رحلة مغادرة وعودة إلى الوطن عبر مطار الملك خالد (الدولي).
ففي رحلة المغادرة، تدلف إلى بوابة صالة السفر (أو حتى قبل أن تدلف إليها)، فتفاجئك مئات العربات التي تحمل أثقالاً من الحقائب؛ تقطع طريقك إلى أي اتجاه. فلا يمكنك أن تتزحزح عن البوابة دون أن تطلب إذناً لتدخل بين عربتين، أو أن تصدمك واحدة من الخلف، وأخرى من الجنب. وذلك الأمر ليس في فترة حج، أو خلال رحلة واحدة، بل يتكرر الأمر كلما دخلت الصالة الدولية الأجنبية. ألا توجد حلول لتلك الأرتال؟ ثم إذا أردت الدخول إلى كاونترات الخطوط، فإنك مضطر – حتى وإن كنت لا تحمل سوى حقيبة يدوية – أن تنتظم خلف تلك العربات التي لا يُرى مداها، أو أن تطلب استثناء من رجل الأمن الذي يراقب الدخول.
وفي رحلة العودة، تذكرت وضع دورات المياه في مطارنا (الدولي)، قبل أن تحط الطائرة بقرابة عشرين دقيقة. وكان الملاحون قد أعلنوا ضرورة ربط الأحزمة وتعديل المقاعد استعداداً للهبوط، وأقفلوا دورات المياه في الطائرة. فأسرعت إلى إحداها، وعندما سألتني المضيفة إن كان الأمر ملحاً، تفاديت أن أذكر وضع المطار الذي دعاني إلى الإسراع نحوها، وأجبت بالإيجاب، فتعاونت معي، وفتحت لي واحدة.
أما الأمر المعيب الآخر، فهو ما وجدته بعد أن خرجت من صالة السفر بحثاً عن وسيلة نقل توصلني إلى المنزل. فأولاً كانت الحكايات الطريفة قد سرت قبل ردح من الزمان بأن وسائل نقل عامة ومريحة ستنطلق من المطار وإليه في كل اتجاه من المدينة، ليتبين أن مؤذن الخبر لم يصدق في شيء، وليس هناك أي علامة تشير إلى جدية في التعامل مع ذلك المطار بوصفه منفذاً جوياً لعاصمة دولة من دول العشرين.
وثانياً لم تنظم شركات سيارات الأجرة إلا بطريقة عشوائية تشبه التعامل مع أوتوبيسات خط البلدة في شوارع المدينة. فلدى عودتي في واحدة من الرحلات، حكى لي أحدهم أن زيادة في أسعار الأجرة قد قُررت، لكنها لم تنفذ بعد. فقلت له: هل من تنظيم للحركة وللوقوف ولسلامة المسافرين وأمنهم؟ فكل ذلك أهم من التسعيرات. قال: لم يوضع أي شيء؛ كل ما وضعوه هو ذلك الرصيف الذي يجبر جميع السيارات على البقاء في خط واحد، وربما يسهل العمل على أولئك المراقبين، لأن المتجاوز لن يجد مدخلاً إلى المسار الوحيد، إن تجاوز الآخرين.
ولأن رحلاتي كثيرة نسبياً، فقد عدت من رحلة أخرى وثالثة، ووجدت الأمر أسوأ من أيام الكشكات، خاصة أن عودتي كانت غالباً مع ساعات الفجر الأولى، حيث يترك بعض السائقين سياراتهم في ذلك المسار مقفلة، ويذهب المسافر العائد مع سائق أجرة، ليوصله إلى المنزل، فيجد سيارته محشورة بين سيارات واقفة في ذلك المسار الذي يفترض أنه للحركة المرتبة. فيكون بين خيارين: إما أن يلجأ إلى سيارات غير نظامية تتخطف المسافرين وغير مأمونة، أو على الأقل ليست نظامية، أو أن يبحث عن سيارة دفع رباعي تقفز فوق الرصيف لتتجاوز تلك السيارات الواقفة بانتظار ساعات الصباح، وهو ما حصل معي فعلاً.. أي والله! وأنا أتحسر مقارناً مطارنا الأكبر بمطار «عالم شاه» في كوالالمبور، أو حتى مطار الشيخ راشد في دبي. فأولئك لا يؤذن مؤذن بينهم!
الرياض