Culture Magazine Thursday  09/02/2012 G Issue 362
فضاءات
الخميس 17 ,ربيع الاول 1433   العدد  362
 
ذكرياتي.. معهم
عبدالله الجفري
د. حمد الزيد

 

رأيت الجفري لأول مرة حوالي عام 1384هـ - 1965م في مكتب جريدة (البلاد) بشارع الغزة بمكة المكرمة.. وكنت في السنة الأولى بكلية التربية بمكة أكتب الشعر وأحب التعرف على الأدباء والصحفيين، وقد دخلت عليه بلا موعد في مكتب متواضع وكان الجفري وقتها في بداية مشواره الطويل في الصحافة، ويبدو بين العشرين والثلاثين من عمره، كما كانت حركاته وشخصيته تبدو لي كشاب لم ينضج بعد؟! خرجت من عنده بغير انطباع يذكر.. سوى بعض مشاعر خاصة بعد شهرته المحلية عندما نشر مجموعته القصصية الأولى «حياة جائعة» ودفع ثمن جرأته ومشاعره الراديكالية آنذاك.

وبعد حوالي عشرين سنة قابلت الجفري في جدة، وتوثقت علاقتي به.. دون أن نكوّن صداقة خاصة، فكنا نلتقي في ثلوثية أو صالون المثقف: محمد سعيد طيب مرة في الأسبوع وفي بعض الأنشطة العامة وفي اثنينية الخوجة أو في مكتبه بجريدة الشرق الأوسط أو في أحد المقاهي بجدة.

له شخصية متزنة وأنيقة، قليل الكلام، غزير الإنتاج، ودوداً في غير تكلف، لم ألحظ عليه الغرور أو النرجسية التي يصمه بها بعض أعدائه، وهو لا يخطب في المنتديات ولا يحب إلقاء المحاضرات، وإنما يحترف الكتابة، وقد بدأ أديباً وصحفيا وانتهى كاتباً في كل شيء ومشهوراً على مستوى الوطن العربي خصوصاً بعد أن بدأ يكتب في جريدتي الشرق الأوسط والحياة ويوثق علاقاته بالكتاب العرب وينشر كتبه في الخارج.

قلت له مرة: إن كتبك أفضل من مقالاتك بكثير؟! فرد علي – وليس معنا أحد: (إنني أعيش من قلمي) وله الحق في ذلك، وأكبرت صراحته فهو يعد أغزر كاتب صحفي سعودي إنتاجاً في وقته، وقد نافسه أخيراً الكاتب عبدالله باجبير وغيره من الذين بدأوا بعده بسنوات.

والجفري لا يجيد لغة أجنبية فأصبح يطل من نافذة ثقافية واحدة ويكتب أدباً وجدانياً..

وبعض كتاباته ولا سيما في جريدة عكاظ إنشائية وتقريرية، لكنه يبقى كاتباً بارزاً وأديباً قصصياً له طعم خاص وموهبة واضحة لا لبس فيها. ونجده عندما يلتقي بالأستاذ المرحوم: محمد حسين زيدان كالابن مع أبيه فقد كان بينهما ود ظاهر وعلاقة عميقة، وكان كل منهما يثني على الآخر بما يستحقه، لقد كانت علاقة الأديبين استثنائية ولكنها في الواقع علاقة الأستاذ بالتلميذ أو المريد. والجفري على الرغم من غزارة إنتاجه - الصحفي- فهو قليلاً ما يستعرض كتاباً لصديق أهدي إليه.. فعل ذلك معي ومع غيري.

لكنني كتبت عن كتابه (نبض) في المجلة العربية ونشرت تلك المقالة في كتابي «كاتب وكتاب» وكتبت مرة أخرى عنه وعن كتابه «حوار في الحزن الدافئ».

وخلاصة رأيي - أن الجفري ينفرد بأسلوبه الوجداني - الذاتي في الكتابة الأدبية الصحفية، هذا الأسلوب المشحون بالوجدان والحرارة والشاعرية - مع أنه ليس بشاعر- والبوح الذاتي العميق والمشجي أحياناً، فكأنك تقرأ لشاعر ينثر شعره نثراً إن صح أن الشعر يُنثر! وباستثناء بعض المقالات الاجتماعية والسياسية والمحلية التي يكتبها الجفري. فإننا نستطيع القول إن الجفري هو أديب الصحافة، وصحفي الأدباء، ولكن لن يبقى منه إلا ما نشره في الكتب – حسب رأيي- كما أنه من كتاب القصة القصيرة المعدودين وقد حاول الرواية أيضاً ولم يبرز فيها.

وأخيراً... يبقى الجفري علامة بارزة مضيئة في مسيرة الصحافة السعودية المعاصرة، وتبقى شخصيته الأنيقة (النرجسية) محببة ومريحة لمن عرفه عن كثب مثلي؟! عندما حصلت على الدكتوراه كتب عني - والحق يقال - عدة أسطر معبرة عن حبه في سياق مقالته الأسبوعية في جريدة (عكاظ) وهي المرة الأولى والأخيرة التي يكتب فيها عني؟! كتبت هذا قبل وفاته بسنين..

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة