Culture Magazine Thursday  09/02/2012 G Issue 362
فضاءات
الخميس 17 ,ربيع الاول 1433   العدد  362
 
إلى صاحبة السعادة والمعالي: وزارة الثقافة والإعلام
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
د. عبدالله المعيقل

 

وقفة أولى:

أصدرت وزارة الثقافة والإعلام مختارات من الأدب السعودي، 1432هـ في ثلاثة مجلدات ضمت الرواية والسيرة الذاتية والشعر والقصة القصيرة والمسرحية وزعت على الحضور في ملتقى المثقفين الثاني الذي عقد في الرياض، وكان قد أشير في عدد سابق من المجلة الثقافية إلى وجود اقتباسات في مقدمة الجزء الخاص بالشعر أُخذت من دراسة سابقة لي دون أن يذكر المصدر الأصلي، وعلى أثر ذلك هاتفني الصديق العزيز الشاعر أحمد قران الزهواتي المشرف على العمل، واعتذر لي عمّا حدث وما وصفه بأنه خطأ مطبعي، كذلك اتصل بي كاتب المقدمة معتذراً بالسبب نفسه.

وقد قبلت العذر وقدرت مبادرة الاتصال من الصديقين، لكنني بعد صدور قرار الوزارة بتغريم الدكتور عائض القرني مبلغ ثلاثمائة ألف ريال بسبب تضمين كتابه بعض مواد كتاب سلوى العضيدان دون إشارة للمصدر قلت في نفسي قاتل الله السرعة ففي العجلة الندامة وفي التأني الدراهم والسلامة، ثم لم ألبث أن استعذت بالله من النفس الأمارة بالطمع وقلت إنها كلمة صادقة سبقت مني للصديقين ولا يمكن العودة فيها والتراجع عنها إضافة إلى أن الوزارة من تجربة لنا معها -سأحكيها- قد تحكم للمتظلم إذا كان الأمر غير متعلق بها، إما أن كانت القضية تمسها وتخصها فإنها تلقاك بأذن من طين وأخرى من عجين وإليكم القصة:

أصدرت اللجنة العلمية بدار المفردات مجلداً عن الأدب السعودي باللغة الإنجليزية بالتعاون مع دار تورس: لندن - نيويورك عام 2006م، ثم حدث أن اشترت وزارة الثقافة والإعلام عدداً من نسخ هذا المجلد مثلما تصنع عادة مع كل مؤلف سعودي ولم يعنِ هذا أبداً أنها اشترت حق إعادة طبع الكتاب أو ترجمته إلى أي لغة. لكن المفاجأة التي لا يتصورها عقل هو صدور ثلاث ترجمات لهذا المجلد باللغات اليابانية والروسية والفرنسية دون إذن من دار المفردات أو من اللجنة العلمية للإصدار.

لقد كتب في مقدمة النسخة اليابانية أن هذا المجلد (الإنجليزي) هو من إصدار وزارة الثقافة والإعلام، أما النسخة الفرنسية فقد ظهر غلافها وعليه اسم أحد وكلاء وزارة الثقافة والإعلام السابقين كمحرر أو كمراجع للترجمة، فتوجهت اللجنة العلمية بخطاب للوزارة طالبة التحقيق فيما حدث منذ أكثر من سنتين، وقابل بعض أعضائها معالي الوزير الذي أبدى حماساً واهتماماً للنظر في الأمر، وعرضت اللجنة مقترحات لإنهاء هذه القضية سلمياً، لكن الإدارة المسؤولة عن الحقوق الفكرية أخذت تتباطأ وتتلكأ في البت في الموضوع بدون سبب ظاهر.

من الواضح أن للوزارة دوراً في هذه الترجمات حيث يبدو أنها أوهمت المترجمين بأن هذا العمل من إصداراتها وهو ليس كذلك، والحديث هنا ليس عن أشخاص بصفتهم الشخصية ولكن بصفتهم الرسمية عندما كانوا يمثلون الوزارة لذلك نظن أن الوزارة وحدها تتحمل هذا الخطأ.

وقفة ثانية:

أعود للمختارات التي أصدرتها الوزارة والتي أشرت إليها في الوقفة الأولى، وأقول إن هذا الإصدار عمل جيد بدون شك وفكرته رائعة، فالأدب السعودي في حاجة دائمة لمثل هذه المختارات التي يعول كثيراً على مثلها في الدراسات الغربية، حيث تصدر بشكل مستمر نصوص مختارة من الفنون الأدبية المختلفة لأهميتها للقارئ وللباحث والطالب على حد سواء، مما يسهل له الاطلاع على عدد كبير من النصوص في مكان واحد حين لا تتوفر لديه مظانها الأصلية، وليسمح لي الأخوة الأصدقاء الذين أشرفوا وأعدوا نصوص المختارات بهذه الملاحظات التي تولدت لدي وأنا أتصفح هذه المجلدات الثلاثة وهي حقيقة لا تقلل من الجهد الكبير الذي بذلوه.

أبدأ بالمجلد الأول الذي ضم الرواية والسيرة الذاتية وبلغت صفحاته 557 صفحة وبلغ الحجم المخصص للرواية 456 صفحة والباقي كان للسيرة الذاتية.

اختار الدكتور سحمي الهاجري نصوص الرواية وكتب لها مقدمة تاريخية نقدية اتكأت في بعض فقراتها على نثر مضمون الروايات مما يعطي القارئ فكرة عامة عن هذه الروايات ككل... ولا أدري لماذا وضع سطراً من رواية قلب من بنقلان في الصفحة التي سبقت المقدمة النقدية مباشرة وكأنها عنوان المقدمة، ثم عاد فاقتطع فقرة قصيرة من الرواية نفسها ووضعها في صدر الصفحة الأولى من المقدمة كما لو كانت المقدمة النقدية كلها عن رواية قلب من بنقلان!

إن الرواية رائعة وجديدة في نوعها وما تتطرق إليه من مضمون، ولكن من يقف على هذه الملاحظة يظن أن الهاجري يختزل العمل الروائي في المملكة كله في هذه الرواية، والواقع أن الهاجري نفسه لا يقصد ذلك، ولم يظن أن إعجابه بهذه الرواية قد يفسر ويؤول هذا التفسير الذي ذهبت إليه.

اعتمد الدكتور الهاجري في ترتيب مادته على سبب زمني من عام 1990-2009 بحسب صدور العمل الروائي وقد أحسن في التقديم لكل نص بنبذة عن صاحبه ونبذة عن أعماله مع ذكر المصدر الذي اختير منه النص ثم يلي ذلك النص..

وقد اختار الهاجري لبعض الروائيين أكثر من نص مثل تركي الحمد وغازي القصيبي وإبراهيم الخضير وغيرهم، بل إن رجاء عالم اختير لها ثلاثة نصوص، ثالثهما من رواية غير وغير، وهي رواية معروفة لها حتى وإن نشرت تحت اسم مستعار.

في ظني أن نصاً واحداً يكفي وكان ينبغي أن تتاح الفرصة لروائيين آخرين مهمين، ويبدو أن التاريخ الزمني الذي وضعه الدكتور الهاجري معياراً لاختياراته قد منعه من إضافة أسماء رائدة في تاريخ الرواية السعودية، وكان لها دورها وإسهامها في النضج الفني الروائي مثل حامد دمنهوري وحمزة بوقري..

من ناحية أخرى لا أدري كيف سقطت من الذكر رواية عيون الثعالب للروائية ليلى الأحيدب الصادرة في حزيران 2009 وهي السنة التي جعلها الدكتور الهاجري نهاية لمختاراته.

لقد بنى الدكتور الهاجري معياره للاختيار بداية عام 1990 وهو عام حرب الكويت على أساس الأثر الذي تركته الحرب في الرواية السعودية، والحقيقة أننا فعلاً قد نجد ظاهرة محددة في عدد من الروايات مرتبطة بحرب الكويت ولكن لا أظن أننا نستطيع أن نسحب هذه الظاهرة على كل الروايات التي صدرت بعد الحرب.. وقد أشار الدكتور الهاجري نفسه إلى عوامل أخرى مصاحبة لهذه الأعمال ومؤثرة فيها..

أما قسم السيرة الذاتية فقد تولى اختيار نصوصه والتقديم له الصديق الدكتور عبدالله الحيدري وعمد إلى طريقة في التصنيف مختلفة عن الدكتور الهاجري وبقية زملائه، بدأ الدكتور الحيدري بالمقدمة النقدية ثم تلاها بتراجم لكل أصحاب المختارات مجتمعين ومرتبين ترتيباً ألفبائياً (إبراهيم الناصر منصور الخريجي) يحسب الاسم الأول، ثم عاد فرتب النصوص المختارة ترتيباً ألفبائياً حسب الحرف الأول من الكلمة الأولى في عنوان النص، وهذه طريقة يأخذ بها معظم باحثي وأساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث يوثقون للأعمال باسم الكتاب أو الدراسة أولاً ثم اسم المؤلف وهكذا..

ولا مشاحة في الاختلاف، ولكني أشير هنا إلى اختلاف المناهج بين المشاركين في هذه المختارات فكل شيخ له طريقته، وكنت أود لو استبعد الدكتور الحيدري غازي القصيبي من مختارات وكذلك بعض من كانت شهرته أكثر في الرواية أو في عمل إبداعي معروف.. فالقصيبي له مختارات ضمن هذا الإصدار في الشعر وفي الرواية وهما مجال إبداعه وتميزه الأبرز، وما اختاره الصديق الدكتور الحيدري للقصيبي هو من سيرته الشعرية وهي مجرد سيرة جزئية ترصد تجربة محدودة في علاقتها بالشعر.. وكان الأحرى بالدكتور الحيدري وهو أحد المتخصصين البارزين في موضوع السيرة أن يختار أسماء أخرى ذكر بعضها في المقدمة ممن ليس لهم إبداع في حقول أخرى ليكون التمثيل شاملاً ومتنوعاً.

خُصص المجلد الثاني كله (970 صفحة) لمادة الشعر وحرره الشاعران محمد إبراهيم يعقوب وأحمد الملا وقد خلت المقدمة النقدية الطويلة من ذكر اسم كاتبها في الوقت الذي ذكرت فيه الأسماء في المقدمات النقدية الأخرى، تلي المقدمة نصوص شعرية اشتملت على الشكل العمودي والتفعيلي والنثري ولكنها خلت من أي نص للرواد والجيل الرومانسي الأول كذلك لم أجد إشارة لفوزية أبو خالد وهي رائدة في قصيدة النثر مع أن المقدمة تحدثت عن المراحل الشعرية كلها في الأدب السعودي وأشارت إلى أسماء من مختلف الأجيال.

لقد أشرت إلى نهج الدكتور الهاجري في اعتماد التسلسل الزمني في ترتيب مادته أما الأصدقاء في مجلد الشعر فقد عمدوا إلى التصنيف الألفبائي لأسماء الشعراء الأولى بدءاً بإبراهيم الوافي ونهاية بيوسف العارف مع نبذة عن المؤلف وأعماله، يلي ذلك نص أو أكثر ولعل الخطأ الذي وقع فيه الصديقان هو إغفالهم تماماً ذكر مصدر النص الذي اختاراه، فقد يكون للشاعر أكثر من ديوان، فلا يعرف القارئ من أي ديوان اختير هذا النص وكان يجب التنبه لهذا الخلل.

وفي نماذج القصة القصيرة في المجلد الثالث تحذو الدكتورة كوثر القاضي حذو مجلد الشعر تماماً مقدمة نقدية ثم الأسماء مرتبة ألفبائياً (إبراهيم شحبي وفاء الطيب) مع نبذة عن المؤلف وأعماله ثم يلي ذلك نص أو أكثر دون إشارة إلى مصادر النصوص...

ويختتم المجلد بنصوص من المسرحية كتبت مقدمتها النقدية واختارتها الأستاذة حليمة مظفر ورتبت كالتالي: يأتي أولاً اسم العمل واسم المؤلف في صفحة ثم في صفحة ثانية نبذة عن المؤلف ثم النص ولم أتوصل لأي معيار تم بموجبه تصنيف الأعمال المسرحية ويبدو أن الأمر قد ترك للهيئة المشرفة، فنحن إذاً أمام مناهج عدة وطرق مختلفة في الاختيار والتبويب والتوثيق وكان يفترض في الجهة القائمة على العمل أن تتفق مع الباحثين على رسم خطة واضحة ومنهج محدد يسيروا عليه في اختياراتهم وتبويبهم لكي يكون في العمل اتساق تام وانسجام كامل في مادته وبين أجزائه فلا يحدث هذا التفاوت المخل في إصدار علمي مهم كهذا.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة