Culture Magazine Thursday  05/04/2012 G Issue 368
فضاءات
الخميس 13 ,جمادى الاولى 1433   العدد  368
 
صدى الإبداع
الصورة الإعلامية واللغة 3
د. سلطان بن سعد القحطاني

 

هناك خلافات علمية بين الصورة والنص المكتوب، مدارها، أيهما الأسبق، الصورة أم الحرف المكتوب؟، وثبت أن الصورة سبقت الكتابة بالحرف، حيث صور الإنسان معارفه وتاريخه بالصور على العظام والحجارة، ووضعها في أماكن تحفظها من عوامل التعرية في داخل الكهوف والمغارات، وهناك شواهد تاريخية في أماكن متعددة من الجزيرة العربية تدل على حضارات سادت ثم بادت، وجاء اختراع الحرف للتعبير به عن صور متعددة، ولا أدل على ذلك من (الوسم) في أماكن متعددة من أجسام الحيوانات، تدل وترمز للقبيلة الفلانية، وقد يكون الوسم، وهو كية من حديد أصلي على جانب معين من الحيوان، يكون عادة في مكان بارز، وقد يتشابه الوسم في الشكل، لكن ثقافة الصحراء تحدد المكان الدال على القبيلة أو الفخذ من القبيلة (13) وقد تعارف المجتمع القبلي على الوسم بشكل عم كل أرجاء الجزيرة، فإذا تشابه في الشكل، فإنه لا يكون في مكان واحد من جسم الحيوان، وكانت هذه الفكرة عند الإنسان دليل على بعض الأشخاص والممتلكات الخاصة والعامة، مثل بعض القبائل الإفريقية التي انتشر الرق في أوساطها فخافت على أبنائها، ومن ثم لجأت إلى الوسم، فعرفت بالرقم (111) على وجوه أبنائها، وهناك الصورة الإعلامية الموجودة في إشارات المرور، وعلامات المصحات الطبية، وأرقام المنازل والمركبات وغيرها.

وارتباط الصورة باللغة مكمل للإيضاح، فالكلمة في غالب الأحيان تكون غامضة تحتاج إلى صورة توضحها، كما هو معروف في وسائل الإيضاح المدرسية، فالطفل يعرف الصورة قبل أن يعرف الكلمة ومركباتها من الحروف، على شرط أن تكون من بيئته المعروفة سلفاً، فالحروف ( أ، ك، ل) أكل، تحتاج إلى أصوات لغوية تدل عليها، ولن تكون واضحة في ذهن المتعلم مجردة، إلا بوجود صورة تدل على فعلها، فنحتاج إلى صورة شخص يأكل طعاماً. وهذان شرطان مهمان في تطابق الصورة مع الكلمة المكتوبة، بين الحروف مكتوبة، والأصوات منطوقة (14)، وقد تكون الصورة كافية للتعبير عن المعنى، كما يوجد في بعض التعليقات الكاريكاتورية، وفي بعض الأحيان يحتاج الرسام إلى الكتابة، ومن هذا المنطلق نجد الأصل في ذلك الصورة، واللغة مكمل لها، والعكس صحيح في بعض الأحيان كما أسلفنا، فالكتابة مكونة من حروف هي في الأصل صور متعارف عليها في لغة ما، لكن المهم في الأمر أن اللغة تحمل صورة خيالية ظاهرية، اصطلح عليها في علم اللغة بالبنية الظاهرية، أي في ظاهر الكلام، بينما الصور واللغة معاً تكونان بنية داخلية، وهذا المصطلح يعني عند اللغويين القدامى والمتأخرين بظاهر النص وباطنه (Surfaces Structure and Deep structure)، فالنص يحتاج في بعض الأحيان للصورة الإعلامية أكثر من الجملة اللغوية، والعكس صحيح في أحيان أخرى، ولذلك اضطر بعض الباحثين إلى تقريب المعنى بصور متخيلة لم توجد في زمن من الأزمان التي تطورت فيها صناعة الصورة الإعلامية لتغيير مفاهيم سابقة إلى مفاهيم جديدة، خاصة في النصوص التي كانت في وقت من الأوقات فوق طاقة المتلقي، ودأبت الذاكرة على تصورها، فاضطر الكهان والمبشرون، ورجال الدين إلى رسم صور تقريبية في المعابد والكنائس، حسب منظورهم الديني، لجذب الناس والتعاطف مع الرسل وتقريب مفهوم الدين إليهم (15) ومن ذلك الصورة الإعلامية التي قامت كدليل على المعابد الشرقية، واعتنى بها القائمون على الشؤون الدينية هناك لغرض التأثير في العقلية الثقافية والاجتماعية لتلك المجتمعات، مما جعل العقل التنويري يناهض هذه الفكرة ويبتعد عنها، ليحل مكانها العقل الإلحادي، وخاصة في عصور الثورات التحررية من الدين، في روسيا على سبيل المثال، كما الكثير منها المعتقد الإسلامي، وأصبح العقل لا يقدس إلا الخالق - عز وجل - وأبقى على الآثار التي لا تجلب مفسدة.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة