في كل بيوت العالم ثمة آباء وأمهات يقبلون أحلام أبنائهم أو يرفضونها، في كل بيت من العالم سقف أبوي قد يحجب الضوء عن أحلام الأبناء، لكن الأحلام في بيوتنا لا تنتهي لأن الأمهات والآباء قد يقفون عثرة في طريقها كما في كل بيوت الأرض، بل تنتهي لأن أبناءنا يخافون الحلم في بيوت تحكم حتى الأحلام، أبناؤنا يخبؤون أحلامهم في قلوبهم، مؤمنين بمصيرها المستحيل، مهزومين من فرط الخوف، ففي كل بيوتنا ثمة حلم تسرب من قلب صاحبه ذات أمل، فما كان إلا اهتزت له أركان البيت وتصدعت شرفات أحلام البقية.
في بيوتنا الحلم لا ينبت في قلب الفتى أو الفتاة، لا يستجيب لأصواتهم السرية، لأن قلوب أبنائنا وعقولهم ليست ملكهم، إنهم يتعلمون من الدرس الأول في البيت أنهم أملاك التقاليد والصورة الاجتماعية، يدركون في أقل اللحظات وأصعبها أن وجودهم وتحققه مرهون بسعة الإطار الذي رسمته حولهم العائلة، أبناؤنا لا يعرفون من الأحلام أكثر من حلم الخروج من بيوتنا سالمين من خوفهم، أبناؤنا يحلمون أنهم يستطيعون الحلم، لا لأن الواقع خذل تحقيق أحلامهم بل لأن آباءهم سبقوا الواقع بتنفيذ حكم الخذلان.
هنالك مليون حلم لا يتحقق في اليوم، وهنالك أضعافه تزهر في زوايا العالم، لكن الأحلام في زاوية بيوتنا تفقد معنى الحلم، المعنى الذي لا يفكر بواقعه من فرط حالميته، فأحلامنا تقيس شروط الممكن لتختار مساحتها منه، أحلامنا لا تزيد في سعة الممكن من حياتها بل تخضع للواقع قبل أن تنزل فيه، نحن الذين لا نختبر أحلامنا في الواقع، لأن الواقع هو الذي يختبر أحلامنا في رؤوسنا.
في بيوت العالم، يخاف الإنسان أن لا تتحقق أحلامه، أما في بيوتنا فنحن نخاف أن نتحدث بأحلامنا لأنفسنا، كي لا يتسرب منها صوت لآبائنا فينزل فينا سخطهم، نحن وحدنا نخاف أن نطرح الحلم على أرض البيت ونسأل آباءنا وأمهاتنا مشاركة شوقه والكلام عنه، لكل الأبوات سقف قد لا تتحق تحته الأحلام، إلا أن سقف أبوتنا لا يمنع الحلم فقط بل يسقط عليه قبل أن يبدأ، سقف أبوتنا لا يسمح حتى بفكرة الحلم، فهي دوما فكرة مارقة ونزقة وقليلة الحشمة ستسعى لإلحاق البيت في قائمة العار، الحلم ليس شخصي في بيوتنا لأنه مهما تعلق على كتف صاحبه، سيبقى خلفه قبيلة تشعل حساباتها عنه، تطارد هذا الحلم وصاحبه كخائن عهد.
هل يجرؤ الرجل أن يشارك أباه بحلم الفن أو الزواج بامرأة أشعلت شموع سعادته! هل تفتح الفتاة صندوق حلمها بالسكن المستقل لأمها! هل تقبل الأم أن تحلم مع نفسها برجل يقبل يداها في وحشة الليل؟ هل يتسامح الأب مع سره الذي يمتلئ برغبات صغيرة استحالت لأحلام مراهق من فرط تعصبه، هل يحلم أحدنا في بيوتنا دون أن يضطر للبكاء من خوفه أو شعوره بالذنب تجاه أهله، هل ثمة أحلام حرة حقا في بيوتنا، أحلام خاصة لا تعني إلا صاحبها ولا تحمل وزر القبيلة، هل ثمة بيت من بيوتنا يرفع الأحلام لمنصة العائلة فتحضر ضمن جدول الأيام الفارغة، ولا تغضب عليها سماؤهم.
- الرياض
lamia.swm@gmail.com