Culture Magazine Thursday  01/03/2012 G Issue 365
ترجمات
الخميس 8 ,ربيع الآخر 1433   العدد  365
 
عفواً أيتها النساء.. ولكن «الزعامة عالم رجالي» 2-2
موجز للفصل الثاني من كتاب «ملك الجبل: طبيعة القيادة السياسية»

 

ترجمة وتعليق: د.حمد العيسى

تقديم المترجم: نواصل عرض الجزء الثاني الأخير لموجز الفصل الثاني الذي بعنوان «الزعامة عالم رجالي» من كتاب «ملك الجبل: طبيعة القيادة السياسية» للبروفيسور أرنولد إم. لودفيغ (Arnold M. Ludwig)، وهو مواطن أمريكي من مواليد 1933. عمل لمدة تسع سنوات كأستاذ «الطب النفسي والسلوك الإنساني» في «جامعة كنتاكي الأمريكية»، ويعمل حالياً بالتخصص نفسه في «جامعة براون» الأمريكية المرموقة التي تأسست عام 1746، وتحتل حالياً المرتبة 15 في قائمة أفضل الجامعات الأمريكية، وتحتوي على نخبة النخبة من الطلاب والأساتذة وبخاصة في البحث العلمي. حصل لودفيغ على العديد من الجوائز الوطنية للتميز في البحث العلمي عن «إدمان المخدرات - الكحول» ومرض «اضطراب الشخصية»، كما حصل على جائزة أفضل كتاب من جمعية الإدمان البريطانية. ألّف عشرة كتب في تخصصه أهمها «ثمن العظمة: كيف نعرف من نحن؟» ، و«ملك الجبل: طبيعة القيادة السياسية». وهذه المادة تشكّل الفصل الخامس عشر من كتابي المترجم الأخير: «ضد النساء: «نهاية الرجال» وقضايا جندرية أخرى».

الزعامة عالم رجالي

من دون مؤهلات خاصة للوصول إلى السلطة، «أرملات فلان» عوضن نقص معرفتهن بالسياسية وجهلهن العام بالعالم عبر إلزام أنفسهن باتباع سياسات أزواجهن المتوفين، أو كما طلبت منهن أحزابهن السياسية (التي تأمل دائماً بالتحكم فيهن). ولعدم قدرتهن على تسويق خبراتهن وتجاربهن فإنهن بدلاً من ذلك افتخرن بأنهن كن زوجات مخلصات لأزواجهن الميتين للحصول على ثقة الناخبين. الفقرات التالية سوف توضح كيف استطاعت بعضهن الحصول على سمعة سياسية عن طريق الاستفادة من علاقتهن بأزواجهن الميتين.

كورازون أكينو من الفيليبين هي ربة منزل سابقة وأم لخمسة أطفال، تم سحبها لتدخل السياسة عن طريق المعارضة الموحدة لكي تنافس فردناند ماركوس بعد اغتيال زوجها بنينو أكينو، الذي وعدت باتباع سياساته. وخلال حملة انتخابية ساخنة، حاولت أكينو تطمين الناخبين الفيليبيين عن مؤهلاتها السياسة بالقول: «الشيء الوحيد الذي أتعهد أن أقدمه للشعب الفيليبيني بالفعل هو إخلاصي»، ولهذا رد ماركوس بسخرية عليها إن «الإخلاص أمر مطلوب بالفعل ولكن ليس في العاصمة، حيث تدار الدولة، بل في منزل الزوجية». وبعد الانتخابات، ادّعى ماركوس أنه فاز بأغلبية ساحقة، وردت أكينو مؤكدة وجود تزوير في الانتخابات. ولأن تصريحات البيت الأبيض كانت تشير إلى أن وقت رحيل ماركوس قد حان، ساند الجيش أكينو. ولذلك هرب ماركوس مع زوجته إيميلدا في طائرة مليئة بالمسروقات من قصر الرئاسة. ولكن بعد وصول أكينو إلى السلطة، واجهت انتقادات وهجمات قاسية بخصوص سياستها الاقتصادية، إضافة إلى فساد مزعوم في حكومتها. وبالرغم من أنها أنهت مدتها الكاملة كرئيسة، إلا أن التآكل في شعبيتها أثبت أن تجربة أكينو النبيلة لإدخال «الإخلاص» في الحكومة قد فشلت.

- فيوليتا باريوس دي شامورو، درست حتى تصبح سكرتيرة لكنها انسحبت من الدراسة لتتزوج وتكون عائلة. وبعد اغتيال زوجها بيدرو صاحب جريدة لابرينسا، والذي كان أيضاً مرشحاً مفضلاً للرئاسة، عملت لفترة محدودة كعضو في المجلس العسكري الحاكم الذي يدير نيكارغوا. وبعد الثورة، قررت بتردد أن تترشح لرئاسة نيكارغوا استجابة لمقالات الرأي التي طالبتها بذلك في العديد من الصحف التي أصبحت تمتلكها. وقالت في النهاية إنها اقتنعت بالترشح للرئاسة والتغلب على سلبياتها في المعرفة السياسية بسبب تلقيها أمراً بذلك لا يمكن رده: «من الله ومن زوجي الراحل». ومن دون تظاهر وبلغة صريحة وحذرة ورؤوفة حاولت ترك علامتها المميزة على بلدها عن طريق تنفيذ مشروعين عاطفيين: الأول، يتعلق بتغيير لون ملابس الشرطة من البني إلى الأزرق الفاتح. والثاني، تغيير علم نيكاراغوا.

وفيما تم نعته ب «السباق بين جثتين»، في انتخابات قدمت للناخبين فرصة للقطيعة مع الماضي، انتصرت ميريا موسكوسو أرملة أرنولفو آرياس (رئيس باناما السابق لثلاث مرات والديكتاتور الشهير الذي مات في المنفى بعد خلعه) على مارتن توريخوس ابن الجنرال عمر توريخوس الديكتاتور الأسبق لباناما والذي ساهم في خلع زوجها. وعلى الرغم من اتهام خصومها السياسيين بقلة التعليم (كانت سكرتيرة سابقة) وإمكانية التحكم فيها من الغير، أجابت بغضب: «جامعتي الكبرى كانت الدكتور آرياس، لقد تبناني بالكامل وعلمني كل شيء حتى تسريح شعري وطريقة الكلام». مثل هذه التصريحات قد يفترض بأنها كفيلة بتطمين الشعب عن كونها مؤهلة وقادرة على الحكم بصورة مستقلة. ثم تواصلت التصريحات لسحق أي شكوى عن قدراتها في إدارة الحكم عندما قالت من دون حصافة «ههه، أستطيع ارتداء البنطلون مثل أي رجل في هذا البلد!!».

- إيزابيلا مارتينيز دي بيرون، كانت الزوجة الثالثة لرئيس الأرجنتين خوان بيرون وتسلّمت الرئاسة بعد وفاته لأنها كانت نائبة الرئيس، واعتمدت على مستشارها الروحي هوزيه لوييز ريغا لكي يرشدها. ولكي تستفيد من شعبية الرئيس السابق طلب منها ريغا أن تستلقي فوق تابوت إيفا الزوجة الثانية لخوان بيرون (التي أحبها الشعب) لكي تمتص (تستحوذ) الجوهر الروحي من جثتها، بينما كان هو يشعل الشموع ويهمهم بالتعاويذ والرقى.

كما قام أيضاً بكتابة خطبها، وطلب منها أن تصرخ أحياناً في منتصف الجملة قائلة: «نشعر بها! إفيتا حاضرة!». ثم وبينما كانت تخطب كان يطلب منها أن تبتلع بعض الكلمات لكي تعطيها أهمية كبيرة مدعياً أنه وسيط لخوان بيرون الذي كان يتواصل مع أرملته من القبر.

وبعد كل ما ذكرناه سابقاً، يبدو أنه على الرغم من نقص تجربتهن السياسية وتعليمهن البسيط ومعرفتهن السطحية عن العالم، فإن «أرملات فلان» تدبرن أمرهن مثل (أو أسوأ من) غيرهن من الرجال الذين سبقوهن أو تبعوهن في السلطة. وما يشهد بكونهن مساويات لزملائهن الرجال في السلطة، هو حقيقة وجود الكثير من الفساد في حكوماتهن!

في عالم طبيعي وعادل، فإن هذه الملاحظات عن تلك المجموعات الثلاث من النساء الحاكمات، يمكن أن تجادل لضم عدد أكثر من النساء ضمن زعماء العالم، بخاصة لأن أقلهن كفاءة تبدو قادرة على فعل أي شيء يمكن أن يفعله الحاكم الرجل، ولكن المنطق الإنساني لا ينطبق بالضرورة على الممارسة الإنسانية. حتى خلال العام 2000، السنة الأخيرة من القرن، والتي حصلت النساء خلالها على مكاسب غير مسبوقة في حقوق التصويت، لم تصل امرأة واحدة إلى السلطة في العالم.

وعلى الرغم من أن تاريا هالونين انتخبت كرئيسة لفنلندا في 1 آذار - مارس 2000، فقد تم صدور دستور جديد للدولة جعل رئاسة الدولة مهمة شرفية من دون سلطات، وحوّل معظم السلطة التنفيذية للبرلمان.

هذه العنصرية الشاملة ضد النساء تعود إلى العصور القديمة، حتى عندما تصل الملكات إلى العرش عبر الخلافة الوراثية كانت تواجهن تحيزات مماثلة عن مؤهلاتهن للحكم. إحدى الطرق الشائعة التي استعملنها لمقاومة هذه التحيزات كما فعلت جميع «أرامل فلان» و«بنات فلان» في عصرنا الحاضر، كان المجادلة بأنه بينما يملكن جسم امرأة فإنهن يستحوذن على روح وعقل قريبهن الحاكم الراحل. الملكة إليزابيث مثلاً رحّبت بالمقارنات بين والدها القوي هنري الثامن الذي قطع رأس أمها، وبينها شخصياً، عندما قالت لجنودها وهي ترتدي درعاً فضياً وثوباً أبيض: «أعرف أنني أملك جسد امرأة ضعيفة» ثم استدركت: «ولكن عندي قلب وحماس رجل ملك، بل ملك إنكلترا تحديداً». ولتؤكد صلاحيتها للحكم، كتب مستشارها: «عقلها لا يوجد فيه ضعف أنثوي ، وقدرتها مساوية للرجل وذاكرتها تحتفظ كثيراً بكل ما تلتقطه»؛ ثم لتفنيد شكوك أولئك الذين يقدمون مجادلات أكثر منطقية ضد حكم النساء في ما يتعلق بعدم صلاحيتها الذاتية في الحكم، فإن مستشاري ومناصري حكم النساء طوروا نظرية عبقرية عن «الملكة ذات الجسدين» التي تشير إلى أنها عندما وصلت إلى العرش فإن كينونتها الكاملة قد تبدلت؛ فقد تحول جسدها الفاني الذي يحتوي على جميع عيوب «الأنوثة» وتزاوج واتحد في جسد الدهاء والحكمة السياسية الخالدة التي تعتبر أبدية ومثالية وزالت جميع عيوبها الأنثوية. ولذلك، وكنتيجة للتحول في كينونتها، فإن جندرها لم يعد يشكل خطراً على مجد ورفاهية الأمة.

نعم الحكام الذكور من الصعب تقليدهم؛ بعضهم أنشأ دولاً جديدة، وغير أنظمة قائمة وحول مجتمعات، وهي إنجازات خارقة لم تفعلها حتى الآن أي امرأة. ولكن كضريبة لهذه الإنجازات، توجب عليهم أيضاً قتل الكثير من الناس عبر الحروب أو اتتباع سياسات اجتماعية كارثية أدت إلى وفاة 200 مليون شخص، وإصابة بليون شخص تقريباً، أي بمعدل سنوي يبلغ أكثر من مليونين وفاة وأكثر من 10 ملايين مصاب، وهي أرقام يستحيل أن تصل إليها المرأة، ولكن وكما يقال في مجال الرياضة: الأرقام القياسية تصنع لكي يتم تحطيمها.

ولذلك، فإن القول المأثور القديم إن «العالم رجالي» يبدو صحيحاً على الأقل في ما يتعلق بحكم العالم، ولكن هذا لا يجعل بالضرورة العالم أفضل. وعلى الرغم من وجود تلميح بسيط أن النساء حققن بعض المكاسب السياسية القيادية في النصف الثاني من القرن العشرين وبخاصة في الحكومات البرلمانية من دون الاعتماد على كاريزما الآباء أو الأزواج المتوفين، ولكن أعدادهن ضئيلة جداً. ولم تظهر أيضاً أي أنثى تماثل صفات صدام حسين أو عيدي أمين الذين كانا قادرين على إثارة غضب العالم الحر. على الرغم من أن هذه الحالة تشير إلى عنصرية اجتماعية، وبكل تأكيد تحتاج إلى إصلاح إلا أنها تقدم بصورة غير متوقعة مواساة وتعزية خاصة (وهي الوحيدة التي تلاحظها إذا كنت كاتباً): إنها تسمح لك باستخدام المصطلحات التي أصبحت حساسة جندريا مثل «هو/هي» أو «رجل/امرأة» من دون عقاب بدلاً من المصطلحات التي فرضتها الحركات النسوية مثل: «هو أو هي»، و«رجل أو امرأة». ومثل صابون آيفوري، فإن ذكورية الحكام كمجموعة تعتبر نقية بنسبة 99 في المئة، ولذلك حتى إذا أردت أن تصور النساء كعضوات مهمات في هذا النادي النخبوي فإنك بهذا تشوه الوضع العالمي إن فعلت ذلك.

ملاحظاتي السابقة يجب أن لا تفسر كمجادلة ضد الظلم الجندري الموجود في السياسة أو بالضرورة كدعوة لوجود حاكمات نساء أكثر (على الرغم من أنني شخصياً أتمنى حدوث ذلك)، بل على الأصح هدفي هو ببساطة أن أؤكد «حقيقة» صاعقة عن ندرة الحاكمات من النساء والتي ستساعدني على تبرير الاهتمام الأكبر الذي سأخصصه للحكام الرجال في بقية فصول الكتاب، وعلى توضيح ما يتطلبه حكم الآخرين من أمور. ولكن إذا ظن بعض القارئات أن مثل هذا الإقصاء للنساء غير عادل (كما أظن أنا)، أرجو منهن تأجيل الحكم حتى الانتهاء من الكتاب، لأنني لن أتعجب أنهن عندها لو تمت دعوتهن يوماً ما إلى الانضمام إلى ذلك النادي النخبوي من الرجال، فإنهن سيرفضن.

أن تكون امرأة قد يعتبر عقبة لكي تصبح حاكماً، لكن أن تكون رجلاً لا يضمن مطلقاً أنك قد تصبح حاكماً. حتى لو كنت تملك الأعضاء التناسلية الصحيحة، فإن احتمال أن تصل إلى القمة ضئيل جداً بمثل ضآلة الفوز باليانصيب. ولكن المنطق السليم والتجربة تشيران إلى أن المرء بحاجة أكثر من مجرد الحظ لكي يصبح حاكماً، على الرغم من أنك قد تجد أمثلة كثيرة لأشخاص لم يصبحوا حكاماً إلا عن طريق الحظ. وتماماً كما يعتمد الاكتشاف العلمي على العقل الذكي المتقد، فإنه من المعقول أن نفترض أن الحظ يفضل تلك الطموحات التي يملكها أناس يمتلكون صفات شخصية فارقة تأهلهم للحكم. لكن لا أحد حتى الآن كشف هذه الصفات المتميزة وما إذا كانت متواجدة. في هذا الكتاب سأحاول أن أصلح هذا النقص في المعرفة.

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة