Culture Magazine Thursday  01/03/2012 G Issue 365
قضايا
الخميس 8 ,ربيع الآخر 1433   العدد  365
 
الأدب البوليسي.. أين توارى؟
تحقيق: فاطمة الرومي

 

الأدب البوليسي (أدب الجريمة)، سواء جاء في قصة طويلة أو رواية قصيرة، أدب صعب، والمبدع فيه يتمتع بخيال خاص، وموهبة سردية نادرة جداً، ليس على مستوى وطن واحد، وإنما على مستوى أوطان عدة، ففي تاريخ الأدب العالمي لم يذع اسم كما ذاع اسم أجاثا كريستين، ولم يأت بعد هذا الاسم العظيم أسماء أخرى يكونون لهذا النوع من الكتابة السردية الإبداعية ما يمكن أن نطلق علية مجازاً عائلة أو أسرة.

1 - لماذا لم يشع هذا الفن الأدبي كغيره من الأنواع الأدبية الأخرى؟

2 - هل هو قص أم منظومة معقدة من الأحاجي والألغاز؟

3 - وهل يستطيع الروائي غير المتخصص في علم الجريمة أن يبدع في هذا الفن؟

حملنا هذه التساؤلات إلى عدد من المبدعين فكانت هذه المحصلة:

في البدء تحدَّث القاص محمد علي قدس حول نشأة الأدب البوليسي، وقال: يعود تاريخ الأدب البوليسي إلى الأديب والناقد الأمريكي إدغار آلان بو، أول كاتب للرعب، وقد سجَّل هذا السبق بنصه الموسوم (قتل في شارع المشرحة) عام 1841م، ولما وجد أثر ذلك النص مثيراً ومحفزاً من قِبل القراء أتبع نصه الأول بقصة أخرى بعنوان (لغز ماري روجيه)، فسطر بو بإبداعه تاريخ القصة البوليسية أو ما يسمى ب(أدب الجريمة)، وقد تأثر بهذا النمط في إنجلترا الكاتب الكبير تشارلز ديكنز بروايتين، تعدان من أهم إبداعات الأدب البوليسي، هما (البيت الكئيب) عام 1852م و(لغز إدوين درود) عام 1853م، ومن ثم ظهر جيل من الكُتّاب والروائيين الذين برزوا في (أدب الجريمة) بدءاً من ويكلي كوليز صاحب رواية (حجر القمر) عام 1868م، الذي أرسى قواعد هذا النمط من القصة أو الرواية المثيرة، ووضع العناصر الأساسية لتقنيات القصة البوليسية، فظهرت بعد ذلك أعمال آرثر كونان، جاك فولتير، جورج سيمنون، مارجريت ألينغهام وأجاثا كريستي، والأخيرة تُعَدّ من أبرز أعلام قصص الجريمة الغامضة.

ويضيف قدس: ولهذا اللون من الأدب عشاقه من القراء، وقد أصبح منتشراً ومقبولاً بعد دخوله مجال الإنتاج السينمائي بظهور (أفلام الرعب)، وقد نستغرب عشق الجماهير لهذا اللون من القصص المخيفة والخيالية؛ فعنصر التشويق في القصص البوليسية وروايات الجريمة يقوم على عناصر رئيسة ثلاث، الأول نوعية الحادثة (الجريمة) وأداتها، ثم القاتل المجهول أو المشتبه بهم، وأخيراً رجل التحري بشخصيته الذكية، وقراءته ألغاز الجريمة وملابساتها بشكل دقيق ومستفز. ومن أشهر شخصيات التحري، التي رسخت في أذهاننا شارلوك هولمز وهيركيول والعانس العجوز. إن الكتابة في مجال الأدب البوليسي ليست سهلة، وتحتاج إلى مهارات وتقنيات؛ ذلك أن العلاقة بين القارئ وهذا النوع من القصص علاقة معقدة، تقوم على قوة الملاحظة والأعصاب، والقدرة على مشاركة الكاتب في استباق الأحداث وكشف غموض اللغز في الجريمة التي تُعَدّ بمنزلة (الحبكة) فيها. وفي اعتقادي أن هذا هو السبب وراء ضعف أو ندرة النصوص الأدبية العربية في مجال القصة البوليسية. وبعض الأسماء التي كانت لها محاولاتها في أدبنا العربي كانت من المحامين أو القضاة أو ضباط شرطة سابقين.

كما أن الأدب البوليسي أدب فيه من الجرأة والإثارة ما يجعل المتلقي قارئاً أو مشاهداً على مقربة من الشر، ويضع على عينيه منظاراً يمكنه من قراءة الأحداث التي تقع في قاع المدينة وأزقتها الضيقة وتحت أستار الظلام.

الروائي عبد الله الوصالي كانت له هذه المداخلة:

سيدتي، اسمحي لي في البداية أن أغير مواضع الأسئلة، سأجيب بداية عن السؤال الثاني ثم الثالث ثم الأول.

أتذكر أثناء سنوات الصبا أنني كنت أحرص على اقتناء سلسلة من القصص القصيرة، تُسمَّى بالألغاز، يكتبها كاتب مصري هو ضابط متقاعد، على ما أذكر، أبطالها مراهقون فتيان وفتيات، وما زلت اذكر أسماءهم. شكلت لي تلك السلسة الموجهة للفتيان عملية ترفيهية عززت لدي رغبة القراءة لكتب الكبار لاحقاً. ولا أدري حالياً ما إذا كانت هناك قصص من ذلك القبيل، لكني أعرف أن وسائل الترفيه قد تشعبت، وأصبح الكتاب في مراحل الصبا يواجه تحدياً من قِبل تلك الوسائل. ويضيف قائلاً: هناك الكثير من المواضيع التي تألف من أجلها الكتب، والمتعة أمر أصيل في جميعها، هناك المتعة المعرفية، وكذلك متعة الإدهاش، والقصة البوليسية تحتاج إلى نوع من الدقة والمهارة في الحبكة وتسلسل الأحداث، وفي النهاية يجب أن تكون النتيجة مبررة ومقنعة، والدوافع حقيقية دون تلفيق أو اعتساف. من هنا تأتي متعة متابعة القصة أو الرواية البوليسية.

وقد فرغت تواً من قراءة رواية بوليسية من الأدب الكلاسيكي بعنوان حجر القمر The moon stone من الأدب الإنجليزي، لكن الاستطراد أدى إلى تمييع الحدث في نظري. أظن أن أدب الجريمة لا يعني ألا يكون هناك متعة معرفية؛ فروايات دان براوون مثل (شيفرة دفنشي) قد تصنف من ضمن أدب الجريمة التي يلهث القارئ وراء تقصي الفاعل مستمتعاً بدقة الحبكة والكم الكبير من المعلومات فتوافر لدينا في ذلك العمل المتعة المعرفية والإدهاش. وحين قرأنا أجاثا كريستي كان هناك الكثير من الدقة والحبكة التي تختفي خلف ستار من الضبابية التي يصنعها الكاتب. ويضيف: هذا يجيب عن هل الأدب البوليسي قص أم أحاجي وألغاز؟ أعتقد أن القصة يمكنها أن تكون ذات بُعد بوليسي مباشر مكتفية بحبكة يتلوها لحظة تنوير، أو أن تكون ذات حمولة معرفية ثرية.

ويقول مسترسلاً: ونأتي إلى سؤال «لماذا لم يشع هذا الفن الأدبي في البلدان العربية؟». لا أعتقد أن هناك سبباً مباشراً لذلك؛ هناك الكثير مما تفتقده الساحة العربية الأدبية مثل أدب السيرة الذاتية، وإن كان قلة هذا النوع من الأدب له ما يفسره.

وهناك كتاب اشتهر عنهم الكتابة في أدب الجريمة، لكن هذا لا يعني أن غيرهم لا يمكنه خوض ذلك الغمار؛ فالمجال مفتوح، والعبرة بالجودة، ويمكن أن نحكم على كل تجربة بعد قراءتها دون إصدار أحكام مسبقة أو تحديد تخصص للكاتب. أظن أن الكتاب لا يشبهون الممثلين كثيراً من هذه الناحية؛ فبعض الممثلين الجيدين يمكنه أداء أكثر من دور بجدارة، بينما يغلب على نتاج الأدباء غالباً ثيمة أو موضوع واحد. ويختم الوصالي بقوله:

أعتقد أني في تجربتي الروائية الأولى قد طرقت هذا الباب الصعب من الأدب.

ففي رواية (بمقدار سمُك قدم) كان محور القص يدور حول جريمة مقتل ممرضة في سكن ممرضات في المنطقة الشرقية سنة 96م في وقت كانت المنطقة يلفها غموض حوادث مثل تفجيرات الخُبَر وقبلها الحرس الوطني بالرياض. وتبدأ الرواية في مكتب ضابط الشرطة الجنائية بالظهران.

كان العمل مجهداً، فالالتزام بحدث واقعي يلزمك بمراجع وتواريخ دقيقة وأسماء وأماكن.. أظن أنها تجربة تستحق الرضا عنها.

القاص والناقد الأردني سمير الشريف كانت له هذه المداخلة: غياب الرواية البوليسية عربياً يعود إلى غياب المدينة بتعقيداتها وتشابكاتها كما هي في الحالة الأوروبية، وهي بالتأكيد بحاجة إلى كتاب متفردين بعلم الجريمة وعلم النفس. متطلبات النص البوليسي تحتاج إلى قدرات مضاعفة وجهد أكثر تركيزاً كتماسك الحبكة القصصية وتوافر الإثارة والصراع والمفاجآت والتشويق الدائم.

ويضيف القاص سمير الشريف قائلاً: عربياً نجح الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا وكتب روايات عدة لاقت قبولاً كبنت الجسر والمهزلة وحورية.

أعتقد أن الاستقرار السياسي والمديني جانبان مهمان بجانب توافر الكاتب الذي يلم بشروط هذا النوع من التأليف.

وختاماً، كانت هذه المداخلة للناقدة منال العيسى، التي قالت: في البداية أشكر لك استضافتي في موضوع أدبي نادراً ما تتناوله الدراسات الأدبية.

في الحقية أن اختيار هذا الموضوع للبحث فيه كثير من الطرافة والجدة باعتبار أن الدراسات النقدية الحديثة لم تلتفت له بالشكل المناسب.

بالنسبة لسؤالك الأول يبدو لي أن قلة هذا النوع الأدبي تعود لأسباب عدة، لعل من أهمها صعوبة آليات هذا الأدب في مستوى الممارسة والتأليف.

كذلك حاجته إلى موهبة أدبية من نوع خاص، لا تتوافر لدى الكثير من الكتاب؛ ما تسبب في قلة الأدباء الذين يمارسون كتابة هذا النوع الأدبي الخاص، وكذلك خصوصية قراء هذا النوع من الأدب.

كما أنه يعتمد على ملكات إنسانية عالية المستوى في جانبيها العقلي والإبداعي.

أما بخصوص هل هذا الفن عبارة عن قص أم منظومة معقدة من الأحاجي والألغاز فيبدو لي أنه يمزج بين القص بالمعنى السردي الحكائي ومنظومة من الأحاجي والألغاز بحيث ينتج منهما فن روائي خاص يتسم بملامح أدبية.

وتتساءل الأستاذة منال العيسى قائلة: سيدتي هل للجريمة علم غير علمها الجنائي؟ لا أعرف أن المختص بعلم الجريمة كعلم مهني احترافي يمكن أن يكتب رواية، ربما يحكيها ويقوم بكتابتها روائي، لكن أن يتولاها فكرة وكتابة فهذا من تخصص الأديب صاحب العقلية الخاصة التي امتزج فيها الواقع المشروط بأحداث بوليسية ربما تكون حقيقة، وربما تكون خيالية؛ لينتج منها فن ذو سمات خاصة، وله كذلك خاصته من القراء.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة