Culture Magazine Thursday  01/03/2012 G Issue 365
فضاءات
الخميس 8 ,ربيع الآخر 1433   العدد  365
 
(اليهودي الحالي) لعلي المقري:
الذات المدنية
د.صالح زيّاد

 

كان محور التغاير والانفصال والتنافي في رواية «اليهودي الحالي» لعلي المقري تمثيلاً لعلاقة القطيعة بين الذاتين الاجتماعيتين: المسلمين واليهود، وكان محور التماثل والاتصال والتشارك تمثيلاً لعلاقة الوحدة بينهما. ولكن واحداً من المحورين لم يستقل بتمثيل الوجود الاجتماعي لأحداث الرواية، فهو وجود متفاصل ومتغاير ومتناف بين الانتماءين الدينيين اللذين يكونان ذاتين اجتماعيتين في وطن واحد، وفي الوقت نفسه هو وجود متصل ومتماثل ومتشارك.

وقد مثّل التلاقي بين اليهودي الحالي وفاطمة تفاوضاً بين متصل وجودهما الاجتماعي ومنقطعه، وهو تفاوض أنتج من تلاقيهما رؤية متسامحة تجاه بعضهما بقدر ما هي نقدية تجاه سياق التعصب في مجتمعهما.

وتبدو فاطمة في الرواية مصدر المعنى والقيمة والتحول الذي عُنيتْ به الرواية، وذلك على الرغم من عنوانها الذي يحيلها على سالم، وعلى الرغم من اضطلاع سالم بمهمة الراوي وبروزه الأكبر في مساحة الرواية. ففاطمة هي التي أطلقت عليه صفته التي غدت عنواناً للرواية، وهي التي أخرجته من ظلمات الجهل والتعصب ومنحته الحب والمعرفة والثقافة، ثم تبادلتها معه، ووسّعت في وجوده ورؤياه، خصوصاً حين عمل بعد وفاتها كاتباً لدى رأس السلطة الإمام ومدوناً لتاريخه.

لذلك نجد فاطمة تستقل في الرواية بفصل خاص بعنوان «مذهب فاطمة» وقد دخل سالم إلى هذا المذهب (ص102). والإشارات تدلنا على أن كلاً من فاطمة وسالم قد فارق التعصب الذي أمعنت الرواية في تمثيله لدى المسلمين ولدى اليهود، وكان ذلك عن طريق علاقة تفاوضية قَبِل كل منهما فيها بالآخر دون الخلفيات المتعصبة لانتمائه المضاد لانتماء قبيله.

كانت فاطمة قوية الشخصية وراسخة الثقة بذاتها، وكانت على مستوى العالِمية في الفقه الإسلامي خاصة ومسائل الثقافة العربية عامة. وقد بدا في غير موقف اختياراتها الفقهية، كما في اختيارها رأي الإمام أبو حنيفة في إجازته تزويج المرأة البالغة نفسها ورأي أبو المعارف بهاء الدين (ص74).

وكانت عظيمة التمسك بدينها وأداء شعائرها الدينية على حد وصف اليهودي الحالي لها بعد زواجه بها (ص91).

وهذه الصفات لفاطمة هي ما تريد الرواية أن تحيل بها مذهب فاطمة الذي وصفه الراوي بالحب والمسامحة والسلام (ص102) على القوة لا الضعف والعلم لا الجهل والانفتاح لا العزلة ووضوح الهوية لا تلاشيها. وهذا يعني أن التعصب هو عكس ذلك ناتج الضعف والجهل والانغلاق وارتباك الهوية.

ويبدو زواج فاطمة باليهودي الحالي رمزياً إذ الزواج وحدة وإخصاب وتكاثر، وهي المعاني التي تترامى الرواية إليها بالجمع بين عنصرين اجتماعيين مختلفين دينياً وجنسياً، فيما القوة والهيمنة في هذه الحالة لفاطمة أي لمذهبها في التسامح الذي يتصل بتلك القوة اتصال العلة بمعلولها.

وتغدو رمزية هذا الزواج مشعّة دلالياً، فعن طريق الحب والتعلم والزواج بين سالم وفاطمة اكتشفنا مساحة الاتصال والإنسانية من وراء الانفصال والطائفية. وهي دلالة للتعويل على الفردي الذي به تقاس السعادة الاجتماعية، وبه تتقوّم صلابة المجتمعات وحيويتها وسيرها باتجاه المستقبل، فالفرد –دوماً- هو الملموس في مقابل تجريدية المجتمع وعموميته.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة