Culture Magazine Thursday  01/03/2012 G Issue 365
أوراق
الخميس 8 ,ربيع الآخر 1433   العدد  365
 
معجم موازين اللغة
العالم بين الموهبة.. والادعاء
صالح اللحيدان

 

حين يكون للمرء «استعدادٌ خلقي» للحالة التي يرنو إليها فإنه سالك فيها مسلك الرشاد وسالك إليها الطريق الأوسع لبلوغ المراد منها وعنها على كل حال، ذلك أن إقحام المرء نفسه فيما ليس له فيه استعداد خلقي إنما يتداركه العوارُ فإذا هو يبور،

وإن من يُطالع سيرة من خلف على سيرة من سلف من كبار العلماء يدرك البون.. وأي بون..

وإن من يتأمل على سالفة خلت في القرون الماضيات يكاد بعقله وعاطفته معاً يتأهب لا جرم للوصول إلى سر حياة أولئك الأقوام وكأن أمرهم ضرب من خيال، ذلك أن مُعدل التصانيف عندهم يهولك أمره على قائمة تقوم، وليس هذا وكفى بل ما توصلوا إليه من فرائد المواهب في علم وعلم وعلم،

وإنك لو تدبرت حياة: (الفراء) مثلاً أو تدبرت حياة: (ابن جرير الطبري) مثلاً أو تدبرت حياة: (ابن مالك) أو (ابن فرحون)، أو (القرافي) أو (المزي)، فإنك بعجلة القراءة وسرعة إظهار النتيجة تريدها سراعاً سراعاً فلسوف يطول بك الدهر ولن تجد إلا أنك أمام علماء كيف تم لهم ما تم؟

وكيف وصلوا إلى تجديد غير مسبوق؟ لكن حينما تغوص عميقاً في خبايا النفس، وزوايا السؤدد، ولافتات النجابة فسوف يتبين لك سر ذلك الخلود لمآثرهم ولآرائهم ولإضافاتهم الجيدة، سوف تقف على مكمن حر جيد متين ألا وهو: (الحظ)، و(الحظ) حالة، أو إن شئت قُلْ: صفة نفسية تعيش مع المرء في خبايا نفسه وطوايا اللاشعور لديه، ذلك هو السر الذي جدد للأمة مآثرها عبر العهود، وعلى تطاول القرون، و(الحظ) لا يحصل إذ يحصل اعتباطاً إنما ذلك بنتيجة لتربية خلقية سامقة، وإنما ذلك لأدب جم على الأخذ بوعي ودهاء وشعور بالمسؤولية، وكل ذلك ولا محيص إنما هو: توفيق من الله تعالى لبعض خلقه ليتم التجديد على سوابق لم تطرق قبلاً، وإذا كان (الحظ) عند: المحدث/ واللغوي والنحوي/ حالة نفسية كامنة في الأغوار فإنّ ذلك يُدرك بعضه لا كله من خلال: حسن الخلق/ وأدب الألفاظ/ وطرح علمي غير ذي تكرار. وإتيان المقصود لإبرازه بتواضع جم وأسلوب قوي متين وروح خلوقة حبيبة.

ليس لدى/ المحظوظ/ وقت لسوء خلق أو استطراد على استطراد/ أو نبش النوايا لنقد المخطئ أو قُلْ نقد المخالف، أو أن لديه حباً للهجاء أو أن لديه حباً للبروز، ولهذا صعب جداً استغلاله بل هو متعذر، إذا ما وقع انتصر لنفسه بالسؤدد ودافع وفاز، /والعالم الكبير/ المحظوظ أدركتُ ذلك جيداً قليل الاجتماعات بسيط المسكن والمركب وقد تنحاله به /مس/ من شدة تواضعه وبساطة مجالسته ومحادثته ومن هؤلاء العظام من لا يكاد يعرف حقه إلا بعد كبره وعجزه وإلا بعد موته وذلك لحسد قد ينشأ أو سوء فهم نحوه

وهذا.. وذاك ما يدعوني إلى التنبه كثيراً لقراءة أعماق خباياهم واستخلاص عظمة تجديدهم الفذ.

وهو ما يدعوني اليوم إلى ضرورة أن تتنبه الجهات المتخصصة إلى مثل هذه النوعية من العظماء لاسيما الذين تقاعدوا أو تركوا العمل لسبب ما!! أو نالهم سوء من قريب أو بعيد بسبب سوء فهم نفسياتهم.

هذا كله ولا كلام مؤذن بنجابة العلم في (دولة جليلة كريمة مُسددة).

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة