إذا سماؤك يوماً تحجبت بالغيوم
أغمض جفونك تبصر خلف الغيوم نجوم
والأرض حولك اما توشحت بالثلوج
إغمض جفونك تبصر تحت الثلوج مروج
(ميخائيل نعيمة )
ميخائيل نعيمة.. أديب لبناني متمكن، وشاعر له وزنه في دنيا الأدب عاش في المهجر قرابة ربع قرن ثم عاد إلى لبنان ليتغنى بمفاتن لبنان ومفاتن الحياة من حوله.
يرى أن خلف كل مظهر متجهم وجهاً آخر له رونقه ورواؤه.. مما يبعث الدفء ويحي الأمل ويطرد اليأس، لأن الحياة لا تستقيم على وتيرة واحدة، وليس لها مظهر ثابت، فما يراه إنسان سيئاً يراه شخص آخر حسناً، وما يبعث على اليأس والتشاؤم والضغوط لدى بعض الناس نجده عند آخرين مبعث أمل وتفاؤل واحتفال بالحياة.. وأن علينا ألا نحكم على الأمور بظواهرها، لأن خلف تلك الظواهر التي نراها سيئة أشياء جميلة.
متى نصدم في حياتنا ببعض العقبات.. والمطبات فنضيق ذرعاً بذلك، لكن لو حكمنا العقل لوجدنا أن لكل علة سبباً.. ووراء كل مظهر مخبراً أحسن منه وأجمل.
وميخائيل نعيمة.. لا يأخذنا إلى دنيا الأحلام والرؤى الخادعة.. وإنما يطلب منا أن نتريث في الحكم، فلا نغتر بالظواهر.. لأننا لو دققنا النظر وراجعنا أنفسنا فسوف نجد في الحياة أشياء جميلة وممتعة وقادرة على تغيير نظرتنا.
استمع إليه وهو يكمل هذه المقطوعة الحافلة بالتفاؤل والأمل :
وإن بليت بداء
وقيل داء عياء
اغمض جفونك تبصر
في الداء كل الدواء
وعندما الموت يدنو
واللحد يفغر فاه
اغمض جفونك تبصر
في اللحد مهد الحياة
يا سبحان الله.. إنه يرى حتى الداء فيه شفاء.. فإن ما يقاسيه الإنسان من آلام ظاهرة، يكون له مردود صحي على النفس البشرية، فالأدواء تطهر الجسم والعقل من أدران الإثم وتجعل الإنسان يراجع حساباته محاولاً تصحيح أخطائه وتكفير سيئاته بصالح الأعمال.
فغالباً ما يقبل الإنسان المبتلى بالمرض على فعل الطاعات والمبادرة إلى الصدقات واللجوء إلى رحمة الله سبحانه وتعالى، في محاولة لتخفيف الآثام والابتعاد عن مواطن الذنوب ومسبباتها، لأنه حينذاك سيتأكد أن الدوام لله وحده.. وأن الإنسان في هذه الدنيا عابر سبيل سيغادرها على أية حال.
حتى الموت.. فيه مظهر من مظاهر الحياة.. فلولا أن المخلوقات تموت ليولد غيرها لما استمرت الحياة ولضاقت الأرض بأهلها، فأكل بعضهم بعضاً حيث لا تعويض عن المفقود فتنقرض المخلوقات وتنتهي الحياة.. لكن الموت سُنَّة الحياة.. هو الذي يعطي لكل قادم جديد مساحة من الأرض شغلها غيره.. فتحولت إليه بما فيها من رزق وعطاء وعمل.. هذه هي الحياة التي تستمد وجودها من الموت.
نعم ففي ذلك اللحد.. الذي استقبل ويستقبل رفات البشر على مر السنين، هو العلامة على استمرار الحياة.
- الدمام