يشرع القاص والروائي خالد اليوسف في بناء معادلته السردية (الرواية والقصة) بتناغم جمالي متقن، يظهر من خلال حضوره الإبداعي الأخير في مجموعته القصصية «يمسك بيدها ويغني»، ليكون هذا الحضور مرتهناً لرؤية إلماحية يؤكد فيها الكاتب اليوسف على أهمية القصة القصيرة بوصفها الفن الأساسي والمدرسة العملاقة التي تعنى بتواصل الخطاب الجمالي وتسعى إلى ترسيخه والعمل على شيوعه وحضوره.
يبث القاص شجنه وهمومه ورؤى شخوص قصصه في حيز وعي كامل، ينتصر للواقع ويستحضر العقل، لتأتي المشاهد متوازنة، أو متعقلة، لا تشطح أو تشط عن خط يراه لها الكاتب، حيث يميل الراوي للقصص والحكايات إلى تغليب لغة العقل على نحو سرد القصة الأولى في المجموعة «أنثى نيلية» ليقتحم القاص تقاطعات الأنثى المبهجة والقاهرة المدينة الحلم في نظر اليوسف، لتتدفق الصور معتمدة على الإيحاء والرسم البديع للوحة الجمالية على حواف نهر النيل الخالد في وده وبقائه حتى يتشكل من خلال هذه القصة عناق عالم الأنثى القاهرة مع نيلها الذكوري في عوالم كورنيش النيل ليمنح الحياة مشهداً جمالياً آخر.
في قصص «يمسك بيدها» ارتحالات حكائية حول هم الإنسان وواقع الحياة التي تخفي تفاصيلها وتنشغل بالعموميات، فيما يضطلع الكاتب بدور مهم ليسبر أغوار هذه التفاصيل ويكشف عنها على نحو رحلة السرد المفعم بالدهشة والمفاجئة حينما يعمل القاص اليوسف على فتح حوار إنساني لا ينتهي بين الحياة وأهلها، ليقوم بجهد مضاعف من أجل زحزحة الواقع الأليم وتقريب صور الأمل الذي يسير فيه البطل وينشده في كل قصة أو حكاية من هذه الإضمامة السردية المقتضبة في حضورها وفي انتقائها للمواقف والأحداث المناسبة.
وما يؤكد هذا التوجه الاستشرافي هو أن القارئ عندما يفرغ من تتبع نص قصة «منصور» في المجموعة يدرك أن المعاناة الإنسانية حاضرة بقوة بل أن جمالها يكمن في انصهار عناصر المجتمع بعضه ببعض، لتؤكد قصة «الجائل» أيضاً على أن القاص عني بتفاصيل الألم والشقاء الذي يجد فيه القارئ عنصر فرز للمفارقة بين ألم داخلي ورؤية مجتمع يسجل المواقف تلو الأخرى فيصبح المشهد صادماً وعرضة لمزيد من النقد والمكاشفة.
تذهب المجموعة بعد قصة «الجائل» إلى فضاء سردي آخر يتمثل في إضمامة القصص القصيرة جداً، حيث يعتني اليوسف في بناء مفردة قصصية تلوذ بالاقتضاب والتقشف بغية الوصول إلى حقيقة التذوق الجمالي للنص القصصي بأقصر السبل وأسهل الرؤى، ليعتني في المشاهد المتواترة برسم صورة التجاذب الإنساني الداخلي الصرف لا سيما ما له علاقة بالعاطفة التي يرى القاص اليوسف أنها خير ما يمثل الوجود الإنساني ويصنع بقاءه.
صور القصص القصيرة جداً في المجموعة ترتكز على أسس واقعية تؤكد على رصد التفاصيل الدقيقة كما في قصة «القسط» حينما يذهب الراوي إلى عرض تفاصيل موغلة في خصوصيتها لتخرج القصة على هيئة ومضة خاطفة تشع نضارة وقوة.
فالرصد الدقيق للأحداث المنتقاة يسجل بعده الجمالي، وحضوره الانفعالي المتوازن بل إن القاص عمد إلى التقشف والومض رغبة في تسليط مزيد من الضوء على ما يقدمه من لوحات سردية جاء بعضها ذاتياً والبعض الآخر بهيئة خطاب معبر تتقاطع فيه التجربة الذاتية مع ما سواها من تجارب أخرى.
هذه المجموعة تعد العمل القصصي السابع لليوسف إضافة إلى روايته «وديان الإبريزي»، وقد صدرت عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت هذا العام 2011م.