Culture Magazine Thursday  21/04/2011 G Issue 338
شعر
الخميس 17 ,جمادى الاولى 1432   العدد  338
 
سرائرُ الحرير!
شعر/ أ.د. عبدالله بن أحمد الفَيفي

كَحُلْمٍ مَشَى في لُجَّةِ اليَمِّ راهبُهْ

تَجُوْسُ انتفاضَ الماءِ فِيهِ كَتائبُهْ

وفي عَيْنِ ذاتيْ سَافَرَ الشَّوقُ، شَاهِقًا

تَخَطَّفُ، أو شِعْبًا تُغِذُّ غَياهِبُهْ

ولَمَّا تَوَلَّى مُنْتَهَى الشَّطِّ مُهْرُهُ

وأَلْوَتْ بِواديْ التِّيْهِ شُقْرًا ذَوائبُهْ

رَأَى في تَلابيبِ المَوامِيْ غَزالةً

تُغَنِّي، فأَشْجَتْهُ، وجَاشَتْ غَواربُهْ

تُقَبِّلُ ما يَنْداحُ مِنْ شَجْوِ صَدْرِهِ

بِنَبْعٍٍ كَذَوْبِ الفِضَّةِ، العَذْبِ ساكِبُهْ

وفي غِرَّةٍ، هَبَّتْ عَصُوْفًا بِوَجْهِهِ

فغابتْ مرائيهِ وغارتْ كَواكِبُهْ

فلا البَحْرُ يُنْجِيْهِ، ولا البَرُّ مُنْقِذٌ،

وثارتْ بِهِ الأريافُ صُفْرًا تُواثِبُهْ

تَقُوْلُ، إذا مَا جَاءَ، والعِطْرُ صوتُها،

ومِنْ كُلِّ بابٍ راحَ بالوَجْدِ آيِبُهْ:

أُعانيْ ، حَبيبيْ، في حَرِيْرِيْ سَرائرًا

مِنَ الوَرْدِ، إذْ نَادَى على الوَرْدِ نادِبُهْ

تَوَغَّلَ بِيْ قَحْطٌ قديمٌ، وغالَنِيْ

مِنَ الماءِ تَيَّارٌ يُجَارِيْهِ راكِبُهْ

أرانيْ سَرابًا. لا أَرَى الوَقْتَ صاحِبي،

وهذا النَّدَى المُختالُ هل فيكَ صاحِبُهْ؟

وَقَفْتُ على كُلِّ الدُّرُوْبِ، وأَدْبَرَتْ

قِطاراتُ ما أَبْغِيْهِ، والتَّوْقُ خاطِبُهْ

وحَطَّمْتُ شَوْقًا في الموانيْ - ولم أزلْ-

فؤاديْ. وتَبْنِيْ كُلَّ رَكْبٍ تَجَارِبُهْ

إلى كَمْ مَواعِيْدِيْ هَواءٌ، ورُؤْيَتِيْ

ضَبابٌ، ووَجْهِيْ هاربٌ مِنْهُ طالِبُهْ؟

أَقِلْنِيْ، فَتَى عُمْرِيْ، تُنَاخِيْكَ طِفْلَةٌ

أَتَتْ بابَكَ العَاليْ تَدَهْدَى جَوَانِبُهْ

فأصغيتُ، لا أدريْ أَبِيْ مَسُّ

طارِقٍ مِنَ الجِنِّ؟ أم جِنُّ ابْنِ آدمَ كَاذِبُهُ

«أَقِلْنِيْ»؟!.. أنا مِنْ عَثْرَتِيْ الأرضُ تَنْزَوِيْ

حِذَارًا ، ورِجْلِيْ كُلّ خَطْوٍ تُجَانِبُهْ!

أنَا بَعْضُ ما أَبْقَتْ لَيالٍ بمِخْلَبٍ

وما خَلَّفَ الإنشادُ مِنِّي وحَاطِبُهْ

أنا مَنْ أنا؟ ما عُدْتُ أدريْ! ومَن هُنا؟

وما أمسِ مِنْ يَوْمِيْ؟ وما الصُّبْحُ كاسِبُهْ؟

وما هذه الدُّنيا؟ وما في بطونِها؟

لكَمْ دَبَّ في هذا النسيمِ عقاربُهْ؟!

تَرُوْغُ بِنا الأيّامُ، شمطاءَ، ما غَوَتْ،

ولكنْ عَدَتْ في الكَرْمِ أُسْدًا ثعالبُهْ

ومُذْ (كُنْفِشُوْسِ) الصِّيْنِ ما لاحَ بارقٌ

إلى اليومِ في صَحْرَاءَ شاختْ تُراقِبُهْ

و «يُوْتُوْبِيانا»: غيمةٌ.. ثُمَّ أَجْدَبَتْ،

وطارتْ ب(تُوْمَسْ مُوْرَ) عَنْها رَغائِبُهْ

وكَمْ مِنْ نَبِيٍّ حاربَ الناسُ سِلْمَهُ

وكَمْ مِنْ غَبِيٍّ حاربُوا مَنْ يُحارِبُهْ

فبينا عَتا شَكِّي وثارتْ حمائمٌ

مِنَ القَلْبِ ما حَطَّتْ بقَلْبٍ تُجاوِبُهْ

تولَّتْ. أكانتْ هاهنا؟ أم تَلَبَّسَتْ

بكَوْنِيْ؟ وبَذَّ البَثُّ بابًا تُوارِبُهْ؟

ذَوَى الصَّوْتُ في صَوْتِيْ، فأَمسيْتُ مُفْرَدًا،

وغابَتْ بذيْ غَابٍ مِنَ الوَحْشِ غالِبُهْ

فيا نَفْسُ، بِيْ مِنْ واكِفِ الهَمِّ وارِفٌ،

رُزِئتُ الأَنِيْسَ الحامِلَ الهَمِّ غارِبُهْ

رَمَتْ بِيْ تَضارِيْسَ البِداياتِ بَغْتَةً،

وأفضتْ، فَمَنْ لِيْ بَعْدَها مَنْ أُعَاتِبُهْ؟

وهَلْ دُونَما قَدْ دَوَّنَتْ في صَحائفيْ

فَتاتيْ قَصِيْدٌ يُشْعِلُ اللَّيلَ ثاقِبُهْ؟

كحُلْمٍ أَتَتْ مِنِّيْ، وغابَتْ بآخَرِيْ،

وما بَيْنَ فِعْلَيْها وُجُوْدٌ أُناهِبُهْ

إذا ماتَ هَمْسُ الصادحاتِ بخافِقٍ،

فكُلُّ عُواءٍ - لا أبا لَكَ - جاذِبُهْ!

ذَكَرْتُ أبا تَمَّامَ، والسَّيْفُ صادِقٌ،

وَ«بَاءً» يُدَارِيْهِ ب«هَاءٍ» تُعاقِبُهْ

«قِفا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبيبٍ وسَيْفِهِ»،

يقولُ صَدِيْقِيْ، إذ تَغَشَّاهُ واصِبُهْ

فأَيْقَنْتُ أنَّ اللَّيْلَ ما انفَكَّ مَرْكَبًا

«وَأَخشَنُ مِنهُ في المُلِمَّاتِ راكِبُهْ»!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة