Culture Magazine Thursday  19/05/2011 G Issue 342
حوار
الخميس 16 ,جمادى الثانية 1432   العدد  342
 
فاضل الربيعي لـ «الثقافية»:
على القارئ أن يكون نقياً ليميز حدود الأسطورة!
-

حوار عبد المحسن الحقيل:

الأستاذ فاضل الربيعي اسم مهم في خارطة الإبداع العربي.. بدأ قاصا ثم روائيا ثم انشغل بعالم الأساطير فأضاف للمكتبة العربية كتبا مهمة منها: كبش المحرقة ومابعد الاستشراق.. (الثقافية) اغتنمت وجوده ضيفا على مهرجان الجنادرية فكان حوارا حول الأسطوري والتاريخي والأسطورة والخرافة وأنماط حضور الأسطورة وأشكال توظيفها:

حدثني ابتداءً عن امتزاج التاريخي بالأسطوري.

- في تقاليد السرد الإخباري التاريخي القديم ونجد عند الطبري وابن هشام والأزرقي والمسعودي وابن الأثير هناك تقاليد في السرد العربي الإخباري التقليدي يمتزج فيه الأسطوري بالتاريخي يعني أنك عندما تقرأ الطبري على سبيل المثال لا تعرف حدود الأسطورة من حدود الخبر التاريخي وعليه لكي تتمكن من التقاط الخبر التاريخي وعزله عن الأسطورة أن تقوم بعمل تفتيت لهذا النص.. الطبري مثلا عندما ذكر أسطورة حصار سابور في الأكتار لمملكة الحضر العراقية فهو يروي خبرا تاريخيا صحيحا وموثقا وموجودا في السجلات التاريخية سواء عند الفرس أو العرب وفي شعر العرب تتم تسجيل واقعة الحصار ولكن من الناحية التاريخية سابور حاصر منطقة الحضر سنتين واستعصت عليه ثم حصل اضطراب في البلاط الفارسي فانسحب بينما عند الطبري يستكمل مروية الحصار ويقول إن ابنة ملك الحضر أطلت من السور وعشقت سابور في الأكتار ثم قالت له إنها من الممكن أن تعطيه سر المدينة ويدخلها مقابل أن يتزوجها وبالفعل أعطته سر المدينة ودخل وقتل ملك الحضر وتزوجها ثم قتلها هذه أسطورة لا علاقة لها بالتاريخ وهي لم تحدث لأن هذا الحصار فشل بعد السنتين وانسحب سابور فبين الأسطوري والتاريخي هناك حدود فاصلة على القارئ أن يكون نقياً إزاء النصوص بحيث يتمكن من فصل ما هو تاريخي عن ما هو أسطوري.

وفقا للثقافة الإنسانية لماذا يحدث دائماً هذا الامتزاج بين التاريخ والأسطورة فحتى في قصصنا الشعبية يحدث دائماً ذكر أعمال بطولية خارقة للعادة هي لم تحدث فعلاً ولكنها تندرج ضمن السياق التاريخي فما هو المحرض لهذا الأمر؟

- انظر... الأمر لايتعلق بمحرض أو بواعث أو دوافع وإنما يتعلق بالفكرة التاريخية.. اليوم الفلسفة الغربية العقلانية أشاعت وهماً يقول إن الإنسان كائن عقلاني ولكن في الحقيقة أن الإنسان في تمامه ليس كائناً عقلانياً هو في جزء كبير منه كائن يفكر بعقل أسطوري وهذا ما يسمى في علم النفس بالعقل الباطن والعقل البشري أو ما يسمى بالعمل الأدبي فأنت تستطيع في العمل الأدبي أن تميز بين الشق الروائي وبين دواخله الذي هو العقل الباطن إذن ماهو أسطوري هو جزء من المكون الإنساني. فالإنسان في الحقيقة ليس كائناً عقلانياً والأساطير ليست الخرافات كما يُعتقد فهناك فرق شديد بين الأسطورة والخرافة فالخرافة شيء والأسطورة شيء والأسطورة هي جهاز إرسال سردي فهو جهاز نستطيع من خلاله إرسال إشارات ورسائل محددة ولتوضيح هذا المثل بدقة أكبر فسارد الأسطورة ومتلقيها يشبه تماماً عامل جهاز المورس الذي يرسل الرسالة على المورس وعندما تستمع إليها يكون أشبه بالطنين ولكن المتلقي على الجانب الآخر يتلقى هذا الطنين ويعرف أبجدية هذه الرسالة ويستطيع أن يحول هذا الطنين إلى كلمات فتبدو أمامه الرسالة واضحة عندما نتعلم أبجديات الأسطورة فسيكون حالنا بالضبط كعامل المورس الذي يعرف فك الشفرة ويستطيع أن يحول هذا الطنين إلى رسالة يفهم مغزاها... ما يحدث هو أننا لا نتعامل مع الأسطورة بوصفها جهاز إرسال سردي لديه إشارات ورموز ولن نتعلم هذه الأبجدية ولذلك تبدو غامضة علينا وأحياناً نقول إنها خرافة بينما هي أسطورة فالفرق بين الأسطورة والخرافة أن الأسطورة تمتلك جهازا بينما الخرافة لا تمتلك مثل هذا الجهاز السردي فهي حكاية مسلية قد لا تكون ذات مغزى بينما الأسطورة ذات مغزى مثلاً عندما تقرأ أساطير ظريفة والكاهن فظريفة هي التي تنبأت بانهيار سد مأرب وفي هذه الأسطورة إشارات رمزية هائلة وعظيمة المعنى لأنها تحدد بالضبط طبيعة ونوع وشكل الهجرات التي انطلقت من الجزيرة العربية بعد انهيار سد مأرب وتشكل هذه الجماعات البشرية.

بهذا الفهم للأسطورة بأنها ليست خرافة وإنما علم يحتاج للدراسة هل أستطيع أن أزعم أن الدين محرض على تطور الأسطورة ؟

- لا... الفرق بين الدين والأسطورة أن الدين هو في الأصل نظام تشريع فكل الكتب المقدسة القرآن والإنجيل والتوراة والزبور تتضمن بنية متماسكة للتشريع هي التي سنت دستور الحرام وأشكال الطهارة والعبادة والعلاقة بين الخالق والمخلوق بينما الأساطير هي الوسائط التي لجأ إليها الإنسان قبل الدين لمحاولة فهم العالم والكون فالعقل الأسطوري سابق للعقل الديني فالعقل الديني هو عقل أكثر تنظيماً لأنه وضع حدوداً للزواج والمواريث والطهارة والنجاسة والحلال والحرام وما إلى ذلك فالدين شيء والأسطورة شيء آخر.

ثمة أساطير تخدم أبعادًا سياسية وأساطير وجدانية عاطفية وثمة أساطير اجتماعية بحتة. أنت لأي هذه الأساطير تنحاز؟

- الأساطير لا علاقة لها بأشكال التوظيف فأشكال التوظيف تالية ولاحقة يعني هناك من يوظف الأسطورة لخدمة أغراض اجتماعية محددة وبعضهم لخدمة أغراض دينية محددة وبعضهم لخدمة أغراض سياسية محددة فالتوظيف شيء والأسطورة شيء يعني كما أنك تتعامل مع أي جهاز إرسال هو قائم بذاته يمكنك أن تستخدمه بالطريقة التي تتلائم مع توظيفاتك له فالبعض قد يوظف الكثير من الأساطير لغرض سياسي أي ينشر خرافات ومعتقدات لأغراض سياسية فيستخدم هذه الوسائط ويروج لهذه الأساطير على أنها هي الدين وهذا شائع في مجتمعاتنا فأنت تجد كثيرا من الناس يدعون إلى معتقدات أو مذاهب أو حتى عقائد ذات طبائع سياسية محددة وقد يستخدمون وسائط لتوصيل هذه الخرافات مثال: أثناء الحرب العراقية الإيرانية استخدموا أسطورة ظهور المهدي المنتظر على الحدود العراقية الإيرانية وأنه التقى الخميني واستطاعوا أن يجيشوا الشعب الإيراني وأنا أذكر إلى وقت قريب بأنه ظلت هذه الأسطورة رائجة.

بهذا المفهوم الجديد الذي أضفته لي. هل أستطيع أن أقول إن مفاهيم الحرام عموما وحتى في الثقافة الإسلامية تسير على خطى الأسطورة ؟

- لا... الإسلام لم يخترع تشريعات منافية أو متعارضة كلياً مع معتقدات المجتمع العربي بل جاء بسماحته وبروحه المعتدله لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إنما بعثت لأتمم مكام الأخلاق» بهذا المعنى فإن كثيرا من التشريعات الإسلامية لها جذور في الثقافة العربية القديمة السابقة على التوحيد وأبقاها الإسلام لأنها من مكارم الأخلاق يعني أن الإسلام وجد فيها شيئا نافعا على سبيل المثال شرع قطع يد السارق في الإسلام ليس كما يقول المستشرقون بأنها من مبتكرات الإسلام وأن الإسلام دين وحشي لأنه هو الذي اخترع شرع قطع اليد بينما شرع قطع اليد سابق على ظهور الإسلام فقد كان في الجاهلية حيث كانت قريش قبل الإسلام بعدة قرون تحكم بقطع اليد بل إن قطع اليد تجده في الكثير من الحضارات القديمة فلو نظرت إلى التماثيل اليونانية والرومانية تكتشف أن معظم هذه التماثيل مقطوعة اليد فهذا هو القطع الرمزي الذي نجد دلائله في هذه التماثيل لذلك فإن الإسلام جاء ليطور ثقافة هذا المجتمع وينقله من حقبة إلى حقبة ومن طور إلى طور ومن البداوة للحضارة ومن الظلمات إلى النور.

الإبداع.. لو عدنا إلى الوراء مثلاً فترة بدر شاكر السياب كان الإبداع مولعا بالأسطورة وليس السياب فحسب بل كل جيله تقريبا أما الآن فالجيل الحديث غالباً لا نجد لديهم أي أساطير أو أنها تمر مرور الكرام بتوظيف سريع برأيك لماذا؟

- هذا يتعلق بعمق ثقافة الشاعر والأديب والكاتب يعني أنه كان هناك جيل يمتلك ثقافة عميقة هي ثقافة مجتمع وعاداته ومعتقداته واستوعب مفهوم الشعر والثقافة أما الآن فللأسف ظهر جيل يعتقد أن كتابة النص هي المهمة المباشرة للمبدع وليس بناء النص في سياق هذا الفهم لهذه الثقافة العميقة فالأمر يتعلق بثقافة المبدع والكاتب والشاعر.

ولكن عندما تغيب الأسطورة بهذا الشكل الكامل فهل نلقي اللوم على العاملين على الأسطورة بأنهم لم يظهروها بهذا الشكل الملفت لإغراء الكاتب أو الشاعر باقتحام هذه الأساطير؟

- لا... الأساطير موجودة فهم عليهم أن يبحثوا ويفتشوا عنها ويعمقوا ثقافتهم بها ويطوروا أدواتهم الشعرية فأنت إذا وجدت شعراء لا يستفيدون من توظيف الأسطورة قد لا يكون عيباً فكثير من الشعراء لا يوظفون الأسطورة مع أنهم شعراء رائعون.

بعض الأدباء يأخذ الأسطورة وفق قراءته الشخصية ثم يغير في نهايتها حتى تتماشى مع أهداف نصه كيف ترى مثل هذا الأمر؟

- في الإبداع هذا الأمر جائز لأن الإبداع هو إعادة خلق شيء مخلوق يعني أن الأسطورة شيء مخلوق وكامل بإمكان المبدع أن يعيد خلقه ويوائمه ويكيفه مع الهدف الذي ينشده وهذا حق مشروع في الأدب كأن تغير وبدلا من أن يكون تموز مجرد ضحية تنوح عليه عشتار أن تجعل منه محارباً أو رجلاً مسالماً أو أن الأعداء لا يجرؤون على قتله كل هذا يعتمد على الرسالة التي يريد أن يوصلها وذلك بإعادة بناء الأسطورة.

في السنوات الأخيرة بدأت تظهر كتباً تشير إلى الأسطورة بشكل مختصر فتظهر مجموعة من الأساطير بشكل سريع ومباشر.. هذه الكتب هل تخدم الناشئ العربي أو المبدع العربي؟

- قبل الحديث عن المبدع العربي هناك مايشبه القطيعة بين التاريخ والعرب فالعرب لم يكتبوا تاريخهم فمن كتبه هم المستشرقون بمداد أقلامهم ورووه بأصواتهم فعندما تتمكن النخبة الفكرية والعربية من كتابة تاريخها وإيصاله بصوتها عندها سوف يسمعه كل العرب وسيتلقونه بطريقة أخرى وهذا الأمر يتعلق بنظام التعليم والتدريس وحتى في الندوات فتلاحظ أن الندوات إما ندوات شعرية أو قصصية ولا يجري أي اهتمام بتعليم الناس هذا الخزان الثقافي حيث لا تمتلك أي أمة من الأمم غير العرب مثل هذا الخزان الثقافي من المعتقدات والأفكار والأساطير فالعرب يمتلكون خزانة ثقافية هائلة ولكنه للأسف مغلق.

برأيك لماذا يا دكتور؟

- لأنه لا أحد يجرؤ على فتح مثل هذا الخزان وحتى إذا ما فتحوه فهم لا يملكون الأدوات اللازمة للتعامل معه أنا اكتشفت أن الكثيرين يجهلون الفرق بين الأسطورة والخرافة أو يتلقون الأسطورة على أنها ليست ذات معنى لأنهم لا يعرفون أبجدياتها وهذا الأمر يتعلق بنظام التعليم وكيف للحقبة التاريخية أن تقوم بإعادة رواية هذا التاريخ في شكله التاريخي والتاريخ الأسطوري.

مهرجان الجنادرية كيف ترى خدمته للجانب الفكري والإبداعي وهل يقدم رسالته في هذا المجال؟

- أعتقد لكي يكون هذا المهرجان نافعاً فيجب أن تتغير بنية هذا المهرجان وأن يتحول إلى حلقات نقاش وورش عمل وليست ندوات.

ما هي الفائدة من ذلك؟

- عندما يتوزع الأدباء والمثقفون على ورش العمل بمحاور لها صلة بآمال الناس وتطلعاتهم وطموحاتهم عندها يشعر الناس حتى من خارج المهرجان بأهميته ويتفاعلون معه ولكن عندما يشعرون بأنه مجرد أماسي وندوات يشعرون بأنه ليس من الضروري التواصل معه فكثير من المهرجانات تعقد وتذهب وهم لم يسمعوا بها لذلك فأنا أدعو مهرجان الجنادرية بأن تكون دورته في السنة القادمة أن تكون حلقات نقاش وورش عمل فيها محاور محددة وتخرج بأوراق عمل محددة لموضوعات فكرية محددة حول كل الموضوعات الحساسة كالتاريخ، الأسطورة، الثورات، فلسطين...

نحن في مهرجان ثقافي تنظمه سلطة عسكرية أو سياسية. هل هناك تعارض؟

- لا لايمكن لمهرجان أن تنظمه منظمة شعبية هذا هو العالم العربي فالدولة هي التي تقيم المهرجانات.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة