Culture Magazine Thursday  15/12/2011 G Issue 356
ترجمات
الخميس 20 ,محرم 1433   العدد  356
 
غولدا مائير: سيرة ذاتية شريرة
ترجمة وتعليق: حمد العيسى

تقديم المترجم

هذه ترجمة لمراجعة المؤرخ الإسرائيلي/ البريطاني آفي شلايم كتاب (غولدا مائير: سيدة الشرق الأوسط الحديدية) للصحفية والمؤلفة الأمريكية د. إلينور بوركيت (دكتوراه في التاريخ)، الذي يقع في 483 صفحة. ونُشرت المراجعة في صحيفة الغارديان اللندنية.

آفي شلايم هو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد. وعنوان المراجعة من اختيار المترجم.

المراجعة

كانت غولدا مائير المرأة الوحيدة بين الآباء المؤسسين لدولة إسرائيل. ومن نواحٍ عديدة، تعكس حكاية حياتها قصة إسرائيل نفسها. إنها فتاة من الطبقة العاملة، هربت من مذابح روسيا إلى الولايات المتحدة، وقالت إنها عاشت فترة مراهقة عاصفة في ولاية ميلووكي الأمريكية، ثم هاجرت إلى فلسطين في عام 1921، وصعدت سياسياً في صفوف حزب العمل؛ لتصبح وزيرة للعمل، ثم وزيرة للخارجية، وأخيراً رئيسة للوزراء. ونراجع هنا أحدث سيرة ذاتية كُتبت عنها بعنوان (غولدا مائير: سيدة الشرق الأوسط الحديدية)، للمؤلفة إلينور بوركيت، الذي يقع في 483 صفحة.

حتى في ذروة قوتها، حافظت «غولدا»، كما كانت تحب أن تسمى، على دفئها وتواضعها. لقد كانت تبدو كأنها مثل أية جدة يهودية طيبة مع وجهها الصخري المجعَّد، وملابسها الفضفاضة، وأحذيتها الطبية، وحقيبة يد من الطراز القديم، ولكن هذا المظهر الخارجي الطيب يُخفي وراءه شخصية عدوانية، وطموحاً حارقاً، وأنانية هائلة، وإرادة حديدية.

العنوان الفرعي لهذه السيرة الذاتية الجديدة مثير للجدل. ربما كانت غولدا «السيدة الحديدية» لإسرائيل، لكنها - بالتأكيد - لم تكن كذلك للشعب العربي، الذي يُشكِّل الأغلبية السكانية في الشرق الأوسط. في الواقع، بعيداً عن كونها شخصية شهيرة في الشرق الأوسط، فقد جسَّدت مائير مواقف تعبِّر عن جنون العظمة والعدوانية والعنصرية للحركة الصهيونية في التعامل مع العرب. لقد كانت تخاف من العرب، وكانت مخاوفها تنعش لديها ذكريات شخصية لها عن المذابح والصدمات النفسية اليهودية الجماعية للمحرقة. وكان موقف مائير بسيطاً: «هم أو نحن»! لقد رفضت على الإطلاق قبول فكرة أن العرب يحركهم الشعور بالظلم، وأنهم يشعرون بالمهانة، أو أن لديهم رواية مختلفة عن الصراع في فلسطين.

السيرة التي كتبتها إلينور بوركيت تعتبر قراءة ممتعة، وتبدو منصفة، ولكنها - مع هذا - تُعتبر سطحية نوعاً ما، حيث تستند إلى حد كبير إلى مصادر ثانوية، وتقارير صحفية ومقابلات مع العائلة والأصدقاء. بوركيت أجادت تشريح الجوانب المتعددة لشخصية هذه القائدة غير العادية أكثر من تحليل السياق السياسي الذي كانت تعمل فيه، وتألقت في شرح تناقضات حياة مائير الخاصة الصاخبة مع مواقفها العلنية المنافقة عن ادعاء الصلاح والتقوى والعفة.

مائير تخرج من هذه السيرة بوصفها أُمًّا مروِّعة وزوجة مرعبة. لقد أمضت وقتاً قليلاً جداً مع طفليها، إلى درجة أنهما يصبحان سعيدَيْن عندما تعاني غولدا واحدة من هجمات الصداع النصفي العنيف المعتادة؛ لأن ذلك يعني أنها ستضطر للبقاء في المنزل معهما. وفي وقت لاحق أصرت على أن ترسل واحداً من حفدتها، الذي وُلد مع مرض (متلازمة داون)، إلى مؤسسة طبية. مائير أيضاً خانت مراراً زوجها المخلص والحساس موريس، الذي طالت معاناته؛ ما نتج منه وصفها في أحاديث النميمة بأنها «سهلة المنال للرجال» (Easy To Get)؛ ما دفع ببعض خصومها إلى تلقيبها بماتريس Mattress، بل كان لديها في بعض الأحيان أكثر من عشيق في الوقت نفسه. (تعليق المترجم: ماتريس أي الفراش أو مرتبة النوم التي توضع على السرير. وهذا تلاعب خبيث بالكلمات والسجع؛ لأن نطق «ماتريس» باللغة الإنجليزية يشبه نطق كلمة «ميسترس» «Mistress» بالإنجليزية أيضاً، أي «عشيقة»؛ ما يوحي بأن الماتريس مستعدة فوراً لممارسة الجنس كعشيقة مع أي كان. انتهى تعليق المترجم). وروَّج خصومها أنها بالفعل نامت مع كل رئيس لها منذ عملها كاشييرة في شركة مقاولات تابعة للهيستدروت (الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية) حتى زعامة الحزب. ولكن على الرغم من أنها كانت امرأة ليبرالية متحررة فإنها لم تؤيد الحركة «النسوية» باعتبارها قضية سياسية.

ومنذ البداية، انتمت مائير إلى جناح الصقور لحزب العمل. وفي عام 1956 اختارها ديفيد بن غوريون لتحل محل السياسي المعتدل موشيه شاريت بوصفها وزيرة للخارجية؛ من أجل تسهيل التواطؤ الدنيء مع القوى الاستعمارية لمهاجمة مصر. كانت مائير ذات مؤهلات ضعيفة للحصول على تلك الوظيفة المهمة، ولكن تم تفضيلها لأنها قبلت فكرة بن غوريون عن أن وزارة الخارجية يجب أن تكون جناحاً للعلاقات العامة يتبع وزارة الدفاع. لقد كانت مائير، في الواقع، امرأة مجرمة وتابعة مثالية لرئيس حكومة مؤيد لسياسة سحق العرب بقسوة حتى لو استسلموا. وعندما أصبحت رئيسة للوزارة كانت أعظم موهبة تمتعت بها غولدا هي قول: «كلا!!».

شخصية مائير المتعجرفة والمستبدة، ونوبات غضبها، واندفاعها الذي لا يمكن السيطرة عليه، وتقمصها دور الواعظة، إضافة إلى ازدرائها الدبلوماسيين، لم يكن كافياً لتحبيبها عند موظفي وزارة الخارجية، ولم تكن تملك موهبة مماثلة لسلفها عندما يتعلق الأمر بعرض قضية إسرائيل في الخارج.

ولاحظ أبا إيبان بخبث، الذي كان بليغاً للغاية في سبع لغات، ولكنه كان صاحب شخصية ضعيفة مثل رقاقة مكرونة، أن رئيسته تستخدم فقط 200 كلمة في أحاديثها كافة، على الرغم من أن مفردات قاموسها الكامل تشمل 500 كلمة!!!!

عندما تُوفِّي رئيس الوزراء ليفي أشكول في شباط/ فبراير 1969 كانت مائير تبلغ 71 عاماً، ومعتزلة السياسة، وتخضع لعلاج مرض السرطان في سويسرا. أظهرت استطلاعات الرأي أن 3 في المئة من الإسرائيليين فحسب يفضلونها رئيسة للوزراء. ومع ذلك، اختارها زعماء حزب العمل زعيمة انتقالية، معتبرين أنها الوحيدة التي يمكن أن تجنبهم الصدام بين موشيه ديان وإيغال ألون. ومع ذلك، كانت تجربة الوصول إلى السلطة العليا بمنزلة منشط مذهل لمائير، وقدَّمت لأول سيدة تصبح رئيسة وزراء في إسرائيل فرصة جديدة للحياة، وحافظت عليها لمدة خمس سنوات أخرى.

ومثل مارغريت تاتشر، كانت مائير سياسية «عقائدية» تستمتع بالسلطة، ولكنها كانت عاجزة فكرياً عن صنع ذلك النوع من القدرة على التمييز الدقيق، الذي يُعتبر حاسماً جداً في إدارة السياسة الخارجية. وقد أدى عنادها الفطري الشخصي في الموقف الوطني الخاص بالصراع في الشرق الأوسط إلى عواقب وخيمة على شعبها وعلى المنطقة كلها. ولكي نكون منصفين، لم تبدأ مائير في بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر يُعتبر انتهاكاً للقانون الدولي وعقبة رئيسية في طريق السلام، لكنها حوَّلت مبدأها الداعي للمحافظة على وضع ما بعد عام 1967 إلى «رسالة وطنية مقدسة»، لم يستطع مخالفتها أحد حتى الآن، ولتمنع بالتالي أي تسوية سلمية شاملة للنزاع مع العرب.

لا يحتاج المرء إلى مفردات كثيرة ليقول «كلا». لقد قالت مائير «كلا» لكل خطة سلام عُرضت خلال رئاستها للوزراء، ولم تقدم هي أية خطة للسلام من اقتراحها. في شباط/ فبراير 1971 قَدَّم الرئيس المصري أنور السادات خطة «تسوية مؤقتة» على أساس انسحاب إسرائيلي محدود من سيناء، وإعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية. بعض أكثر جنرالات إسرائيل تطرفاً رؤوا بعض الفوائد الجيدة في هذه الخطة، ولكن مائير رفضتها جزئياً، على الأقل، لأسباب «شخصية»؛ حيث قالت إنها لا تريد أن يسجلها التاريخ الصهيوني بوصفها أول زعيم إسرائيلي يوافق على الانسحاب من تلك الأراضي المحتلة. ومن المحتمل جداً أنه لو حدث أي تطور إيجابي من قِبل إسرائيل على اقتراح السادات فإن ذلك كان سيمنع اندلاع (حرب أكتوبر 1973) (أي حرب يوم الغفران عند اليهود)، التي أودت بحياة 2838 جندياً إسرائيلياً. ولكن مائير كانت متشبثة بسياسة الاستنزاف التي لم تترك لقادة مصر وسوريا أي خيار سوى اللجوء إلى القوة العسكرية؛ من أجل كسر الجمود الدبلوماسي. وهذا هو ما فعلوه في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، عندما فاجؤوا قوات الدفاع الإسرائيلية على حين غرة، وأجبروها على اتخاذ موقف دفاعي.

كانت الحرب خطأً استراتيجياً فادحاً. وتجادل بوركيت بأن صلابة مائير الحديدية حمت إسرائيل من الانهيار والاستسلام بعدما فقد وزير الدفاع، موشيه ديان، أعصابه في المرحلة الأولى للحرب. ولكن في الواقع نشبت الحرب في الأصل بسبب مائير من حيث قصر النظر والغطرسة والتعنت الدبلوماسي. وبرأت لجنة تحقيق رسمية رئيسة الوزراء، ولكن الجمهور الإسرائيلي نزل إلى الشوارع احتجاجاً؛ ليحترق مستقبلها السياسي في نيران الغضب الشعبي.

مائير لم تتعب أبداً من تكرار أنها كانت على استعداد للسفر إلى أي ركن من أركان الأرض، في أي وقت من النهار أو الليل؛ لتلبية طلب أي زعيم عربي يريد الحديث عن السلام معها. لكن الحقيقة لم تتطابق مع هذا الادعاء، ومعظم موظفيها يعرفون هذا. ومن وراء ظهرها يستخدمون نكتة عن «مغسلة غولدا»، التي كانت مفتوحة 24 ساعة في اليوم. ولكن ربما كان التأبين الأنسب لها: «مغسلة غولدا مغلقة للفترة الحالية»!!!

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة