Culture Magazine Thursday  15/12/2011 G Issue 356
فضاءات
الخميس 20 ,محرم 1433   العدد  356
 
هل نحن بإزاء تابو ثقافي جديد؟!
عبدالله آل ملحم

للالتفاف على حرية الرأي وحق الناس في التعبير عمدت قوى الضغط اليهودية في الكثير من برلمانات العالم لاستصدار قانون يُجرّم إنكار المحرقة اليهودية الشهيرة: «الهولوكوست» وهو ما يعني أن حرية الرأي متاحة في كل شيء إلا في إنكار المحرقة إياها، تناقض ليس له ما يبرره وإن كثرت المبررات، ولكن هذا ما يحدث في دول أوربية كثيرة، في مقدمتها: ألمانيا، وفرنسا، وسويسرا، وبلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال، ورومانيا، بالإضافة إلى أستراليا!

والعجيب أن القانون وضع بطريق قانونية، ولكنها غير مشروعة لمصادمتها للأصل الدستوري الذي يتيح لمواطني تلك الدول ما سلبهم إياه القانون الجديد، في مفارقة مستفزة تداعت إلى ذهني وأنا أرى بوادر ما يراد له أن يكون هولوكوست ثقافي جديد، توشك ملامحه أن تتشكَّل في مشهدنا الثقافي المحلي، ليس بإصدار قانون يضفي الشرعية عليه كما القانون الأوربي، ولكن بخلق تابو ثقافي جديد يضاف لتابوهات الثقافة المعروفة، ويؤصل لظهوره بممارسة فوضوية، يكرسها بعض المتنفذين بصحافتنا الثقافية، الذين جعلوا من رفاقهم ذواتاً مقدسة يحرم المساس بها، ونقدها إلا بالصورة التي يجيزونها هم، أو بالقدر الذي يتحمله رفاقهم، أما حين يُكتب نقدهم بنفس آخر لا يتوافق مع ما يريدونه فليس له إلا أقرب سلة مهملات؟! يحدث هذا بكل أسف في بعض صفحاتنا الثقافية، خاصة حين يكون المثقف المنتقد متمعاً بشبكة علاقات شخصية جيدة، مع الكثير من المتنفذين في الصحف، وحين لا يُكترث لتدلله - أحياناً - فإنه يُلوح بالشكوى ليثنيهم عن النشر، فينجح تارة ويخفق أخرى، ومن خلال تجربة شخصية فقد رُفض لي أكثر من مقال، لاعتبارات شخصية روعي فيها ألا تخدش مقالتي الناقدة رونق العلاقة المتألقة مع المنتقد، ورغم أننا قد تجاوزنا زمن الحجب إلا إن لسان حال الممانعين يقول: أرق دمه على صفحات غيري ولا تُرق ماء وجهه على صفحتي، وهو ما يحدث في خاتمة المطاف، ولاسيما أن الخير في صحافتنا الثقافية باق إلى ما شاء الله، ومهما أوصدت بوجه مقالتك الأبواب فلا بد أن ترى باباً موارباً وآخر مشرعاً!

وبعد هذا كله هل نحن بإزاء تابو ثقافي جديد؟ واقع الحال ينفي هذا، وإن يكن من بيننا من يحسب أن بوسعه خلق هذا التابو، الذي لا يمكن له أن يولد في ظل الإعلام الجديد الذي صار يؤهل الجماهير للممارسة النقدية غير الممنهجة، كما في وسوم أو هاشتاغات تويتر، التي تتيح للجميع التعبير عن آرائهم حول الشخصية أو القضية المهشتقة، وهي التي تنقدح شرارتها بمثل لمح البصر، ليشارك فيها الكثير من دول وقارات متباعدة لا جامع لها إلا الاهتمام أو الفضول لمناقشة ما عرض عليهم مناقشته! وكم يعجبني المبادرون الذين يلتمسون كل ما كتب فيهم من نقد ليعرضوه بأنفسهم على من يشاركونهم الاهتمام بذات الموضوعات، ومن هؤلاء د. عبد العزيز قاسم الذي تابعته مراراً وهو يعرض ما يُكتب فيه من نقد على أعضاء مجموعته البريدية وهم بالمئات، ليقرؤوا رأي الآخرين فيه أو فيما كتب، في سلوك ثقافي واع يعكس ثقة المثقف العميق بنفسه، وهو ما يحسن بكل مثقف فعله، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لأن نشر المثقف لنقد الآخرين له وتعقيبه عليه بما يتمم الصورة أو يصححها، خير له من التقنفذ والانكفاء على نفسه!

twitter:@abdullah_almolh الدمام

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة