Culture Magazine Thursday  15/12/2011 G Issue 356
فضاءات
الخميس 20 ,محرم 1433   العدد  356
 
الرواية والمدينة السعودية
سيمون نصار

عطب الرواية ضعف السرد، هذا مبدأ فن الكتابة الروائية. لولاه، لما كانت الرواية.

لكنه، مع هذا، تطور تطوراً وذهب في مذاهب شتى.

الرواية البلزاكية والبروستية التي كانت تؤثر السرد المسهب في موضوعاتها، حتى الملل أحياناً، خاصة عند بلزاك.

لم تعد تجدي نفعاً، حتى في أكثر الروايات تعقيداً في فرنسا، لكنها كانت روايات بحجم المجتمع وحراكه.

الرواية الروسية في القرن التاسع عشر، كانت سيدة الروايات، وعلى الأرجح لا تزال.

فمعظم الروائيين الروس، كانوا فضلاً، عن أنهم كتاب كبار، كانوا، أصحاب مخيلة واسعة وذاكرة أوسع.

تولستوي تتبع في ملحمته العابرة للزمن «الحرب والسلم» حوالي خمسمائة شخصية.

لا يوجد في القرن العشرين كله رواية، بني مضمون نصها على هذا العدد الهائل من الشخصيات.

حتى أن الأمر يلتبس على القارئ العادي الذي وإن لم يكن منتبها يغرق بين سطرين.

رواية ما بعد الحداثة، التي تنتمي لها، بعض الروايات السعودية، لا الكتاب.

رواية تبني أحداثها، لا على قوة السرد، من خلال حك الذاكرة والإبقاء عليها متيقظة، بل على المعطى الاجتماعي، حتى أنه، هذا المعطى الاجتماعي، تحول الى شخصية روائية في كثير من الأعمال، التي نشرت في العقدين الأخيرين.

بعيداً عن الآباء المؤسسين الجدد للرواية السعودية، وأبرزهم، غازي القصيبي.

ويليه مباشرة من حيث المهنية والاحتراف، ككاتب روائي، عبده خال.

بعيداً عنهما، وكذلك عن الكتاب المكرسين.

برزت في الرواية السعودية أصوات أنثوية تستحق المتابعة والتأمل، رجاء عالم، نورة الغامدي، بدرية البشر، ليلى الجهني، نداء أبو علي، ورجاء الصانع، سمر المقرن.. إلخ.

لكن الملفت في معظم ما كتبنه من أعمال باستثناء رجاء عالم ونورة الغامدي وليلى الجهني وبدرية البشر كان كتابة ذاتية.

هنا، بين قوسين، يمكن اعتبار رواية بدرية البشر، هند والعسكر، رواية نابعة من السيرة الذاتية أكثر منها نص روائي، رغم الحبكة السردية، التي تمسك البشر بأطرافها لكي لا تشتت مع ذلك، الجانب الشخصي من النص يبقى هو المسيطر.

الروائي، بمعناه الكلاسيكي، شاهد على عصره ومجتمعه، لا يمكنه أن يقيس هذين المعطيين بإرجاعهما الى ذاته وتجربته الشخصية.

لكن في الحالة السعودية، طغى الجانب الذاتي على الكتابة الروائية، خصوصاً، عند الروائيات اللواتي، لأسباب كثيرة اجتماعية، تفرضها التقاليد ويفرضها التهميش الذي عاشته المرأة تاريخياً في مجتمع محافظ جداً.

غير أن ما يميز الخطاب الروائي النسوي السعودي، هو أن المرأة دخلت إلى دائرة السرد من باب توجيه النقد للسائد الذي تعيشه وتعاني من سطوته عليها.

وهذا ما يجعل من المرأة في المجتمع السعودي الأقدر على كتابة هذا المجتمع من الرجل الذي بسبب قوته والامتيازات الكبيرة التي يحظى بها اجتماعياً، لا يهتم أو ينتبه، على الأرجح لتفاصيل كثيرة تحيطه من كافة الجوانب.

الرواية السعودية الهامة لا بد أن تكون كاتبتها امرأة.

طوق الحمام لرجاء عالم، رواية مدينة بكل تفاصيلها ومستواها السردي.

مدينة وإن كانت مقدسة إلا أن البشر يعيشون بداخلها وهم ليسوا مقدسين.

تقول لنا رجاء عالم أن الإقامة في مدينة مقدسة تكشف زيف البشر وتكشف قذاراتهم.

المعادلة القائمة على اكتشاف الفارق بين أن تكون طاهرا في مدينة قذرة وأن تكون قذرا في مدينة طاهرة، هي جوهر هذه الرواية المهمة جدا في مقاربتها لحياة مكة المعاصرة.

مكة ليست نيويورك بالطبع، قيمتها أهم بكثير.

مع ذلك فيها عصابات تشبه عصابات المافيا في نيويورك.

تخبرنا رجاء عالم، أن هذه العصابات تعمل علي تغيير وجه المدينة، ليس أقسى من ذلك سوى تدمير المدينة كلياً.

شهدت أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية أشياء من هذا القبيل، هدمت مدن وأعيد بناؤها بذرائع تتعلق بالهندسة الحديثة، الهندسة بحسب معماريين كبار لا يمكنها أن تمثل الممحاة التي تدمر بطريقها الحضارة، الأدب كذلك.

الكتاب الكبار كما رجاء عالم وحدهم من يمكنهم التصدي للتخريب في سبيل المحافظة على روح الأماكن.

التي بدون شك لا يمكن أن تكون أبنية فقط.

رواية سأعود إليها بشكل خاص فيما بعد.

على عكس هذه الرواية ومثلها رواية نورة الغامدي ومعها ليلى الجهني وبدرية البشر.

لم تسلم الكتابة الروائية النسوية في السعودية من الشخصنة، ما يؤشر إلى أن عدداً كبيراً من الكاتبات لم يخرجن من حلقة التأثير الذاتي عليهن من قبل المجتمع.

وهو تأثير إن لم تتم معالجته بشكل شامل على مستوى النص، يعني أن النص، لم يخلق لنفسه حيزاً داخل الرواية، وبقي محصوراً ضمن سيرة ذاتية ومحض شخصية، حتى لو كانت قد خرجت من المعاش إلا أنها لا يكفي أن تنقل من خلال شخصنتها صورة المجتمع.

باريس

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة