من الطبيعي أن تتمخض تجربة الانتخابات الأخيرة في الأندية الأدبية عن ردود أفعال متباينة. فالممارسة الديمقراطية التي نادى بها الكثير من المثقفين الليبراليين في أروقة الأندية وكواليسها ربما لم تلق هوى في نفوس البعض لأن رياحها قد جاءت بما لا تشتهي رغائبهم..
وكلها ردود أفعال طبيعية للتجربة الانتخابية الحديثة على مجتمعنا، ويبدو أننا نحتاج زمناً للتأقلم معها..
وقد آثرت حين وقت الانتخابات وما تلاها من ردود أفعال عدم الدخول في مهاترات مع من تجاوز في نقده لمخرجات العملية الانتخابية - وما آلت إليه - وصل إلى حد النيل من أعضاء المجلس الجديد والتعريض بهم والمزايدة عليهم إذ إنني أؤمن بأنه لن يصح في نهاية مطاف خارطة طريق الممارسة الديمقراطية الانتخابية إلا الصحيح.. ولي ثمة قراءات في صفحات ما جرى:
* أننا نربأ ببعض الذين كان لهم رأي معارض لما آلت إليه الانتخابات من إفرازات أن يتعرضوا بالتجريح لمن فازوا باقتراع من حضر من أعضاء الجمعية العمومية فنحن لسنا بمعزل عن العالم حولنا ومثل تلك الممارسات تسيء إلى وجهنا الثقافي الناصع والمشرق.
* أن الانتماء إلى الجمعية العمومية قد خضع لمعايير وضعتها إدارة نادي جدة الأدبي الثقافي -السابقة- حين ارتضت -مسبقاً- بذلك التصنيف كشروط لقبول العضوية.. وتلك الجمعية وعضويتها هي نتاج اجتهادات الإدارة.
* ومع ذلك لا نستطيع أن نتجاهل أسماء لامعة –لها حضور– قد شاركت في التصويت والاقتراع وكانت ضمن أولئك الأعضاء ومنهم الأديب الكبير والناقد رئيس النادي السابق أ. عبدالفتاح أبو مدين - وكيل وزارة الثقافة والإعلام السابق، .د.أبو بكر أحمد با قادر، والأستاذ الكاتب الكبير د.عاصم حمدان، الشاعر والكاتب أ. د. محمد خضر عريف، الروائي المعروف أ. عبده خال، الكاتب الكبير أ.عبدالله بن فراج الشريف، الأستاذ الكاتب عضو المجلس السابق جميل فارسي، الأستاذ الدكتور إبراهيم نتوّ، الكاتب المهندس سعيد بن فرحه، الأديب ومدير التحرير الأستاذ فهد الشريف، الإعلامي القدير د.سعود كاتب، الشاعر والكاتب أ .محمد مشاط، الكاتب الصحفي د.زيد الفضيل، ومن السيدات الناقدة د.لمياء باعشن، التشكيلية الكاتبة أ. اعتدال عطيوي، أ. مهى فتيحي، الشاعرة بديعة كشغري، الكاتبة أ. نبيلة محجوب، الشاعرة زينب غاصب، الناقدة سهام القحطاني، وغيرهم كثر ..فكيف نقول بأن الجمعية لم تشهد حضوراً للمثقفين؟!
* أما القول بأن نتائج الانتخابات قد أفرزت نفراً من الأكاديميين ليسوا على صلة بالثقافة فأمر مردود عليه من ناحيتين أما الأولى فإن رئيس النادي السابق وبعض الأعضاء هم من الأكاديميين والتربويين كما أن معيار اختيار أعضاء الجمعية -كما سبق- قد ارتضى ذلك التصنيف فما الغضاضة في ذلك؟
ومن نافلة القول بأن الفائزين من الأكاديميين ليسوا بدعاً في عضوية النوادي الأدبية فهم موجودون على مستوى الأندية في الوطن ولهم حضور مشهود.
والثانية أن الفائزين من الأكاديميين هم من ذوي الكفاءة والمكانة العلمية – ولهم حضور في الشأن العام..
وليس بالضرورة أن يكون المثقف شاعراً أو قاصاً أو أديباً فالثقافة بمفهومها الشامل أكثر اتساعاً.. فلم نضّيق واسعاً؟! كما أن التعريفات الاصطلاحية للثقافة قد تعددت عند فلاسفة الشرق والغرب بصور تتقارب في الفكرة وتتفاوت في الألفاظ والصياغات.
أما القول بأن النادي قد تحول بفعل الانتخابات إلى منبر أمسك بقبضته الإسلامويون فأمر غريب فإذا ما كان الغمز واللمز يطال الملتحيين فإن عددهم لم يتجاوز الثلاثة وهم أبعد ما يكون عن التطرف فكيف يستوي ذلك الاتهام الباطل؟! أما الأعضاء الآخرون فإني على ثقة بأنهم من مناصري التعددية الثقافية بكل أطيافها ومشاركة المرأة وحضورها..
* أن المجلس الذي جاء بالانتخاب وليس بالتعيين قد اختارته الجمعية العمومية للنادي وفيه قدر كبير من التوازن فإلى جانب الخبرة الأكاديمية والإدارية والخلفية العلمية واللغوية والحضور في الشأن العام هناك من له شأن بالإعلام والإذاعة وثمة شاعر من أبناء جدة وأديب ودكتورة كاتبة وإعلامية وكذلك دكتورة كان لها حضور في أروقة النادي مع اللجان النسائية..
* وللأديب الدكتور عبد الله مناع مثل رائع ضربه حين لم تعجبه نتائج التعيين السابق لمجلس إدارة نادي جدة الأدبي فما كان منه إلا الانسحاب بكل هدوء وأريحية لا يتقنها إلا أصحاب النفوس الكبيرة ولم يشأ أن يزج بنفسه في اللغط الذي دار حينذاك..
* كنت أتمنى ممن أخذ على عاتقه إثارة بعض أعضاء الجمعية وتأبط ظن السوء بالناس أن يتعلم من الأخطاء ولا يستعد الآخرين فنحن ما زلنا نفكر بعقليات الزمن الذي مضى ولا نحسن فهم قواعد العملية الديمقراطية بكل تبعاتها سواء أتت بما نحب أو نكره.
* وعود على ذي بدء لا بد أن نذكر بالعرفان والتقدير جهود من عملوا لصالح نادي جدة الأدبي ونحاكي (ثقافي عكاظ) في تصنيفهم إلى ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة الأستاذ الرائد الشاعر محمد حسن عواد ومن واكبه من ثلة رفيعة القدر والعطاء.
الثانية: إبان رئاسة الأستاذ الكبير عبدالفتاح أبو مدين الذي أعطى الفرصة في النادي لكل أطياف الأدب وربط المثقفين بناديهم وكان شجاعاً ضرب مثلا رائعاً حين كان أول المستقيلين من رؤساء الأندية الأدبية إزاء دعوات التجديد والتغيير.
الثالثة: وهي إبان رئاسة الدكتور عبدالمحسن القحطاني الذي إن لم يقدّم غير جهد إقناع القطاع الخاص بإنشاء قاعة تليق بالنادي وجدة ومثقفيها لكفاه.. وقد ضم في معية مجلسه إخوة أدباء أفاضل على قدر من الثقافة والخلق وقد آثر بعضهم عدم الخوض في الانتخابات ومنح الفرصة لدماء جديدة.
دوحة الشعر..
وانس الإساءة في حياتك تبتهج فالنفس تشرح صدرها الآمال.
جدة