كان من الضروري أن يسبق العملية الانتخابية برنامج توعوي يوضح مهام وواجبات أعضاء الجمعية العمومية، بل كان أضعف الإيمان يستلزم طباعة اللائحة الأساسية للأندية الأدبية في كتيبات وتوزيعها على طالبي العضوية ليعرفوا أن مهمتهم لا تقتصر على الحضور يوم الانتخابات والانصراف إلى غير رجعة وقد أدوا الواجب المتفق عليه.
كم من هؤلاء الذين احتشدوا يوم الانتخاب الأعظم ليعطوا أصواتهم لمن أحضرهم يعرف أن عضويته عضوية عاملة تستدعي انتماءهم للنادي الذي سيستدعيهم ليمارسوا سلطات عليا؟ كم منهم يفهم أن هناك لائحة تلزمهم بالمتابعة والتقصي والمحاسبة والتفاعل؟ كم منهم اطلع على المادة الثامنة من اللائحة التي تخص حقوق العضو العامل وواجباته، وأدرك تماماً معنى ضرورة (4) المشاركة في أنشطة النادي وبرامجه، و (5) والسعي لتحقيق أهداف النادي والتقيد بأنظمته والالتزام بقراراته.
حين تم إحضار الجموع ليصطفوا خلف مرشحهم مدفوعين ودافعين به إلى مجلس إدارة النادي، هل تم إطلاعهم أيضاً على أنهم سيكونون أعضاء في الجمعية العمومية التي تنص اللائحة في مادتها السادسة عشرة أنها هي من يرسم سياسة النادي ويراقب تطبيق لوائحه؟ شخصياً أعرف حالات اتفق فيها مرشحون مع منتخبين متكاسلين ومتململين على تسجيل أسمائهم ودفع العضويات عنهم واستلام بطاقات العضوية بدلاً منهم، فقط على أن يحضروا اليوم المشهود ويدلوا بأصواتهم، وهذا يدل على أن الأعضاء المصوتون حضروا على مضض ليقوموا بمهمة محددة ويفرنقعوا.
كثيراً ما ارتفعت شكاوي المثقفين واعتراضاتهم على جلب أشخاص بلا هم ثقافي ولا إرادة ثقافية ليصطفوا قسراً ومن باب المجاملة على كراسي الانتخاب، لكن حين يعترف عضو من اللجنة الإشرافية على الانتخابات، الدكتور محمد العوين، بعملية شراء الأصوات، فلا بد أن نصغي له. في حديث تلفزيوني له في (برنامج الثقافة اليوم على القناة الثقافية) يصرح العوين بأنه سمع بنفسه عن مرشح دفع قيمة اشتراك العضوية لثلاثين ناخباً في مقابل تصويتهم له. http://www.alsharq.net.sa/2011/12/06/33181
والمشكلة تبدو بسيطة في أن يدفع المرشح مالاً أو يتكتل أو يجلب أبناءه وزملاءه وطلابه وعشيرته ليحصل على أصوات تؤهله للنجاح، فهو أمر معتاد في اللعبة الانتخابية على كل الأصعدة، لكن المشكلة تتمعظم حين تنتهي في الجمعية العمومية، إذ إن هذا الاختراق غير القانوني لا يتسبب فقط في ضرر واحد، وهو إيصال من لا يستحق إلى المناصب الإدارية للأندية، بل يجلب ضرراً آخر أكبر وهو حشد الجمعية العمومية بأعضاء لا يريدون أصلاً أن يبنوا علاقة طويلة الأمد مع النادي، ناهيك عن عدم كفاءتهم للقيام بالأدوار والمهام المناطة بعضوياتهم المدفوعة.
تحدد المادة التاسعة عشرة مهاماً جادة وربما عويصة على غير الجادين، فأعضاء الجمعية العمومية سيتعين عليهم أن يوافقوا على تقارير مجلس الإدارة عن أعماله، خلال السنة المالية المنتهية وبرامج الأنشطة، وخطط العمل للعام الجديد، وأن يصادقوا على الميزانية والحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، وإبراء ذمة مجلس الإدارة والمصادقة على مشروع الميزانية للعام الجديد، وكل ما يستجد من أمور يرى مجلس الإدارة عرضها على الجمعية العمومية. ولنفترض أن الجموع قد احتشدت مرة أخرى للاجتماع، فالأمر لا يستلزم سوى إجبار الذات على الحضور مرة واحدة فقط في كل عام، فهل سيكون هذا الحضور فاعلاً بمعنى التدقيق الحقيقي في الحسابات والبرامج والأنشطة والمشاريع، أم هل ستكتفي تلك الجموع بالمصادقة العمياء كالتصويت السابق المساند للفائزين إياهم دون أدنى جهد تمحيصي؟ والحقيقة أن عمل الجمعية لا يتوقف على حضور كل الأعضاء، ففي هذا مخرج سلس من إجبار الذات على الحضور حتى ولا مرة واحدة في العام، فالاجتماع يكون نظامياً كما تنص اللائحة بحضور نصف المجلس، وإن لم يحضر النصف يؤجل الاجتماع شهراً ليصبح نظامياً بحضور أكثر من الثلث فقط، وإن لم يحضر الثلث يكون الاجتماع نظامياً بحضور أكثر من الربع فقط (المادة 20)، ولا تذهب التخفيضات إلى أقل من ذلك، ولا توضح اللائحة الوضع الذي سيواجهه الأعضاء لو لم يحضر أكثر من الربع، لكن المفهوم هو أن الاجتماع لن يكون نظامياً، وعليه لن يكون هناك أي اجتماع.
ونستنتج من ذلك أنه إذا كانت الأغلبية التي احتشدت للتصويت لم تُهيئ سابقاً لمعرفة أدوارها القادمة، ولم تحصل على نسخة من اللائحة لأنها لم تكن متابعة ولا مهتمة بالشأن الثقافي أصلاً، فلسوف تكتفي بإعطاء الصوت ثم عدم الحرص على حضور الاجتماعات السنوية، فتحرم بذلك باقي الأعضاء المهتمين وهم الأقلية من الاجتماع بمجلس الإدارة تماماً وبالتالي تجردهم من كل مهامهم التي تنص عليها اللائحة...!! وفي هذه الحالة يصبح مجلس الإدارة هو صاحب السلطة العليا والوحيدة خلافاً لما تنص عليه اللائحة: «مجلس الإدارة هو السلطة التنفيذية للنادي ويقوم... بتنفيذ قرارات الجمعية العمومية « (المادة 27).
إن سلطة مجلس الإدارة منبثقة عن الجمعية العمومية والمجلس يختص بدعوة الجمعية العمومية بشكل عادي أو استثنائي للانعقاد، ليقوم بعد ذلك بتنفيذ قراراتها وأي مهام أخرى يخول بها من قبل الجمعية العمومية، (المادة 29). هذه العلاقة النظامية التي تربط بين المجلس والجمعية بشكل حيوي ترتكز على نوعية العضوية التي حصل عليها المصوتون، فهي عضوية عاملة، وليست عضوية تصويتية، وهذا هو جمال الديموقراطية وإبداعها الانتخابي.
الأعضاء العاملون هم أولئك الذين سيشاركون بفاعلية قصوى في النشاط الثقافي ككيان مستقل وقادر على رسم الخطط التنويرية للأندية الأدبية ومتابعة تنفيذها بوعي وإرادة واهتمام. ففي ظل هذه اللائحة لا اتكالية ولا تكاسل أو تهاون مفترض، وأقول مفترض لأنه في واقع الأمر، لا عقوبة تترتب على عدم الحضور وعدم المشاركة وعدم الاهتمام, فالعضوية العاملة تمنح بيسر غير مشروط، ولا تسقط إلا بالأسباب الطبيعية من موت أو استقالة أو التأخر عن سداد قيمة الاشتراك السنوي، أو مخالفة أنظمة النادي (المجهولة !!). (المادة 12).
إلى أي حد من الممكن أن يتقلص دور الجمعية العمومية في ظل منح العضوية العاملة إلى أفراد ظنوا أنهم أعضاء مصوتون فقط؟ هذه العضوية لم تُمنح فقط دون معايير وباستثناءات من أدنى الشروط، بل إنها عضوية مفتوحة دون إلزام ولا عقوبة، فديّتها أن يبقى العضو على قيد الحياة، وأن يدفع المعلوم.
إن اللائحة التي لم تُحترم بنودها في وقت الانتخابات سوف تعجز تماماً فيما بعد الانتخابات عن تفعيل دور الجمعية العمومية لتكون بحق صاحبة السلطة العليا في الأندية الأدبية.
Lamiabaeshen@gmail.com
جدة