Culture Magazine Thursday  15/12/2011 G Issue 356
فضاءات
الخميس 20 ,محرم 1433   العدد  356
 
ثورة الجماهير العربية وثقافة الإيجاب
«تداولية قيمة وحدة التصور»
سهام القحطاني

سألت أستاذنا الغذامي على تويتر هل يمكن تحليل ثورة الجماهير العربية من منظور ثقافة الإيجاب؟ فرد عليّ «جدا جدا وخاصة سلمية سلمية».

وعبارة «سلمية سلمية» التي صاحبت ثورات الربيع العربي والتي طرحها أستاذنا الغذامي كنموذج لثقافة الإيجاب لفتت انتباهي إلى عنصر «تداولية القيمة التعبيرية الإيجابية» للفكر والفعل الجماهيريين التي تنتج بدورها «تداولية القيمة السلوكية الإيجابية»، وتلك القيمتين من مؤسِسات كفاية الاقتناع، التي تناولتها الأسبوع الماضي، فضلا على أنها تحقق مراتب سلم الفكر التداولي؛ العمل القولي والعمل المتضمن في القول وعمل التأثير بالقول.

كما لفت انتباهي إلى أن تداولية القيمة في الثقافة الإيجابية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام؛ قيمة فكرية وقيمة سلوكية إضافة إلى قيمة تتعلق بالتعبيرات.

وتلك القيم تتزامن مع ظاهرة «وحدة التصور» وهنا أقول «ظاهرة» وليس «قانونا» لأن «وحدة التصور» لا تُصبح قانونا إلا في مرحلة تالية تُنتجها تثبيت «المعطيات» وحتى تأتي تلك المرحلة تظل وحدة التصور مرتبطة بظاهرة ذات ظرفيات مخصوصة في أوليتها قابلة للتغير والتعديل.

وأقصد بوحدة التصور «اتفاق الجماعة أو مجموعة الجماعات على المشاركة في إنجاز موقف أو فعل مخصوصين نتيجة صدمة المدرك العياني»، وبذلك تعتمد وحدة التصور على ثلاثة أسس «الاتفاق والمشاركة والإنجاز».

والوصول إلى وحدة التصور لا يتم إلا بعد مرحلة «كفاية الاقتناع» واستيفاء مؤثرات ووظائف مدركات الذهن والعياني والإقراري؛ لأن تلك الكفاية هي التي تُنتج أسس وحدة التصور «الاتفاق والمشاركة والإنجاز».

وتلك الأسس هي تراتبية تبدأ بالاتفاق «التعاقد الأولي الذي أنتجته كفاية الاقتناع» وتكتمل بالإنجاز التعاقد التشاركي في إحداث التغير.

ودون تلك الأسس التراتبية لا يمكن تحقيق «وحدة تصور».

ولذلك لا بد من الوقوف أمام كيف تتكون تلك الأسس بدورها قبل تكوين وحدة التصور أي؛ كيف يتألف الاتفاق في وحدة التصور؟ وكيف تُنتَج المشاركة لتفعيل وحدة التصور؟ وكيف يتحقق الإنجاز لفرض وحدة التصور وإنتاج التغير؟

تلك الأسئلة لا تُعيدنا إلى مسألة كيفية تكوّن «كفاية الاقتناع» باعتبار أن وحدة التصور هي حاصل لكفاية الاقتناع بل تدخلنا في إجراءات منظومة كفاية الاقتناع سواء في إنتاج النموذج الإيجابي؛ المدرك الذهني «ما الذي يحدث»؟ والمدرك العياني» لماذا حدث ما حدث»؟ والمدرك التغيري «ماذا أفعل حتى لا يتكرر ما حدث»؟

أو في حصول النموذج السلبي المدرك الذهني «طبيعي أن يحدث ما يحدث» والمدرك الواقعي «ما حدث نتيجة طبيعية للحادث» والمدرك التغيري «ليس ما سيكون أفضل مما هو كائن».

وقد يسأل سائل هل يمكن أن تُنتج «كفاية الاقتناع» الواحدة النموذج السلبي والنموذج الإيجابي؟ وما طبيعة وحدة التصور ضمن تلك الثنائية؟

وهذا قد يحدث وهو من خلال توابع أو ارتدادات ثورة الجماهير من قبل الخاسرين بسبب تلك الثورات، فكفاية الاقتناع صاحبة التصور الواحد تنتج الإيجابي والسلبي معا «الثوار مقابل فلول النظام» وبعد ذلك يقسم النموذج الإيجابي إلى «سلبي وإيجابي» كما حدث في الثورة المصرية «التحرير والعباسية»، ولذلك قيل قديما «الثورة تأكل أبناءها»، أي تفكيك النموذج الإيجابي صاحب التصور الواحد يقسم التصورات وتعددية التصورات تدخل تلك النماذج المنتجَة في دائرة الصراع، فيفقد التصور وحدته الجمعية، أو وحدة الاقتناع الجمعي.

وتتكون وحدة الاقتناع الجمعي وفق قوة المرجع وقوة النظام وقوة النسق وقوة التراث وقوة المكتسب وقوة الظرف وقوة الضروري، وقوة درجة التصديق، والقوة هنا بمعنى السلطة سواء في حالة السكون أو الحركة.

وقوة درجة التصديق هنا تعتمد على «توثيقية الدال» وتتحقق توثيقية الدوال عبر العديد من الآنية التي تتحكم في المدرك المرئي للمستقِبل على مستوى الحدث والصورة والشاهد، أو معادلات المدرك المرئي، فدرجة التصديق الدافع للفعل لا بد أن تنطلق من المدرك المرئي كشاهد عين على ما يروج له المدرك الذهني، فصورة محمد بوعزيزي وهو محروق وصورة خالد سعيد مقتول وعليه آثار التعذيب، هما من حولا الاقتناع السلبي إلى وحدة اقتناع جمعي ألفت وحدة التصور وبالتالي الوصول إلى كفاية الاقتناع المحفّز على الحركة والتغير.

في تونس لم تكن مشكلة «بطالة الشباب» كافية لإقامة ثورة تغير، وفي مصر لم تكن مشكلة «الفساد» كافية لإقامة ثورة تغير.

وعدم تحقق كفاية هنا لا يعني عدم وجود اقتناع بالمشكلة، بل يعني أن هناك تشويشا على سلة قوى وحدة الاقتناع الجمعي.

فحتمية التعايش الضروري مع المشكلة كونها جزءا من طبيعة الواقعة الاجتماعية واجب وهو ما يعني تحويل الأزمة إلى ناتج حتمي وفق مقتضى مسبب لفعل طبيعي لا يمكن أن تتحكم فيه الاختيار والإرادة والإمكانيات.

ومن خلال تلك المؤثرات حتمية التعايش -باعتبار أن الحتمية معادل للقوة ولا يمثلها- وحتمية قبول الواقعة الاجتماعية وحتمية الاستسلام للأزمة وحتمية الخضوع للمقتضى وحتمية ضعف التصرف كاختيار وإرادة وإمكانيات، تكونت قوى وحدة الاقتناع الجمعي السلبي وأن القدرة ليست بالضرورة منتجة للكفاية.

وبالتالي تصبح نتيجة وحدة الاقتناع الجمعي السلبي هنا مُلِتزمة بمصداقية المسوغ ومُلزِمة بحصول سلبية نحو ناتجها.

لكن «حادثة حرق محمد بوعزيزي» و»حادثة قتل خالد سعيد» كانتا كافيتين لإقامة ثورة في تونس ومصر.

مع أن تلك الحادثتين كانتا معززتين لمشكلتي البطالة في تونس والفساد في مصر، ولم تكونا اكتشافا لجديد يُضاف إلى مشكلات البطالة والفساد.

فما الذي حدث وجعل الحادثتين مصدرين لتفجير ثورة رغم أنهما يمثلان مشكلات قديمة؟ وجعل الجماهير تخرج من بيوتها إلى الشوارع بعدما كسرت قيود الخوف والصمت وتنادي بالتغير وإسقاط الأنظمة الطاغية؟

ما حدث هو أن «شرطي كفاية الاقتناع» قد تحققا، وشرطي كفاية الاقتناع –الإسقاط والدمج- أصبح المجتمع «يسقطون ما حدث للشاب التونسي والمصري على كل شاب» وكل شاب أصبح «مدموجا في تلك الشخصيتين» ومقلدا لثورتهم.

وهذا التوفر هو الذي وحدّ التصور الجمعي وأنتج ثقافة الإيجاب عند الجماهير ودفعهم للخروج إلى الشوارع والشجاعة على كسر الخوف والصمت. وهذا ما فعلته حادثتا محمد بو عزيزي وخالد سعيد أي «وقعنة المشكلة» وأنسنتها على المستوى الشعبي والجماهيري عبر «الإسقاط والدمج» مما حقق لها الدرجة التصديقية لتحول وحدة التصور إلى كفاية الاقتناع عبر آنية الواقعة مما يقربها إلى مستوى «التصديق».

والتصديق هنا هو الذي يحقق شرطي كفاية الاقتناع، كما أنه هو الذي يدفع إلى «إحداث فعل»، فالتصديق ثقافة سلوكية مرتبطة بإقامة اعتقاد وتنفيذه لإثبات قوة خاصة، وبالتالي إعادة تشكيل الموقف ضمن شرطي كفاية الاقتناع، وانتقال المدرك المرئي المبني على شدة التصديق إلى مدرك تغيري ومشارك فيه.

بعدما تأكدت من سلامة الاستدلال بما يسمح من إصدار تعميم ومن ثم حكم عام يلزم بتوحيد التصور الانفعالي وبردة فعل تتناسب مع جمعية وحدة التصور الانفعالي، على أساس أن الحكم يصبح صحيحا لتطابقه مع الكيفية التي أنتجت الدالة الواقعة ومثلت التصور المشترك.

جدة * sehama71@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة