نقلا عن نيويورك تايمز و«هافينغتون بوست دوت كوم»: الماضي لا يموت أبدا، وإن كان في إصلاحية كيلبي خارج مونتغمري عاصمة ولاية ألاباما الأمريكية ليس موضع ترحيب على وجه خاص.
في 26 سبتمبر الماضي، رفع السجين مارك ملفين، الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة في سجن كيلبي، دعوى في محكمة فيدرالية ضد مدير سجن كيلبي ومفوض الولاية للسجون والإصلاحيات مدعيا أنهما منعوه من دون وجه حق من الحصول على كتاب.
الكتاب، الذي أرسل إليه من محاميه، هو عمل تاريخي. وبشكل أكثر تحديدا، هو كتاب حائز على جائزة بوليتزر الأمريكية الرفيعة لتاريخ الجنوب الأمريكي، ويتضمن تحقيقا استقصائيا عن المعاملة المنهجية البشعة للسجناء السود في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. السيد ملفين يبلغ 33 عاما، وهو أبيض البشرة. وزعم السجين ملفين في دعواه أن مسؤولي السجن اعتبروا أن الكتاب «يشكل تهديدا أمنيا»!!!
لقد بدأ النزاع قبل عام تقريبا عندما كان السيد ملفين يدخل سنته الثامنة عشرة في السجن بعدما أدين وهو في الرابعة عشرة بمساعدة شقيقه الأكبر في ارتكاب جريمة قتل. وكان حسن السلوك بما يكفي لمنحه عفوا في عام 2008، ولكن بعد ارتكاب ما يسمى «انتهاك تقني»، بقي ملفين في السجن.
وقال محاميه، بريان ستيفنسون، إن ميلفن كان يعشق القراءة ويحب قراءة الروايات والسير الذاتية، ودراسات الحرب العالمية الثانية والتاريخ الإيرلندي لدرجة أنه تم تعيين السيد ملفين من قبل السجان للعمل في مكتبة القانون في السجن.
وفي سبتمبر الماضي، بعث المحامي ستيفنسون إلى السيد ملفين كتابين أحدهما: «العبودية بمسمى آخر: إعادة استعباد الأميركيين السود من الحرب الأهلية إلى الحرب العالمية الثانية» وهو للمؤلف دوغلاس بلاكمون كبير المراسلين في صحيفة «وول ستريت جورنال». وهو كتاب حصل على جائزة بوليتزر في عام 2009.
والكتاب يروي النظام القضائي المنهجي الواسع والبشع المسمى «تأجير الإدانة» للناس السود عندما يعتقلون من قبل أجهزة إنفاذ القانون المحلية بأوهى التهم، ومن ثم إجبارهم على «عبودية العمال» أي العمل في مزارع القطن التابعة للأثرياء البيض أو في مناجم الفحم التابعة لكبرى الشركات لقضاء عقوباتهم الجنائية. وعلى الرغم من أن نظام «تأجير الإدانة» تم العمل به في جميع أنحاء الجنوب الأمريكي، إلا أن الكتاب ركز على ولاية ألاباما.
السيد ملفين لم يستلم الكتاب مطلقا. ووفقا لدعواه، فقد قال له مسؤول في سجن كيلبي إن الكتاب كان «حارقا واستفزازيا للغاية»، وأمر المسؤول السجين ملفين بتحمل تكلفة إعادته لمحاميه. وكتب السجين ملفين رسالة ناشد فيها مدير السجن بالسماح بالكتاب، ولكن كما جاء في دعوى ملفين أيد مدير السجن قرار المنع، مستشهدا بنظام داخلي يمنع أي بريد يحرض على «العنف القائم على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو العقيدة أو الجنسية، أو العصيان ضد المسؤولين في السجون». (السيد ملفين أبيض البشرة). ولذلك رفع السجين ملفين القضية بحسب محاميه.
ومن المفارقة أن هذه القضية تزامنت مع توقيت أسبوع الكتب الممنوعةBanned Books Week وهي حملة توعوية تحتفي بحرية القراءة وحرية الاطلاع والتعبير التي كفلها التعديل الأول للدستور الأمريكي. ويعقد هذا الحدث سنويا في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، حيث تجري احتفالية بسيطة في جميع الولايات الأمريكية لتسليط الضوء على فوائد حرية الوصول إلى المعلومات ولفت الانتباه إلى أضرار الرقابة على الفكر من خلال تسليط الأضواء على الكتب الممنوعة أو التي كادت تمنع لأي سبب في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. كما يتم التأكيد على ضرورة سماع الأصوات المختلفة من ذوي وجهات النظر غير التقليدية. كما تسلط الاحتفالية الضوء على الأشخاص والهيئات التي تسعى لمنع أي كتاب. وترعى هذا الحدث السنوي مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني مثل رابطة المكتبات العامة الأمريكية وجمعية المكتبات التجارية الأمريكية. وقال متحدث باسم إدارة ألاباما للسجون: إن الإدراة لم تطلع بعد على الدعوى وليس بمقدورها التعليق. وقال المحامي ستيفنسون، الذي يشغل أيضا منصب مدير «مبادرة المساواة في العدالة» في مونتغمري، إنه شخصيا يعتبر أن فحوى الدعوى تتركز في المقام الأول حول رفض الولاية الاعتراف بتاريخها العنصري وليس عن حقوق السجناء. وقال ستانلي واشنطن، وهو سجين سابق في سجن كيلبي وأصبح الآن يعمل في «مبادرة المساواة في العدالة» إن إدارة السجون في ولاية ألاباما (حيث كان يقضي حكما بالسجن في عام 2001)، كانت تمنع السجناء من مشاهدة مسلسل «الجذور» التلفزيوني. وأضاف «إنهم لم يعطونا سببا، ولكننا اعتقدنا أنهم ظنوا أنه قد يسبب خلافا عرقيا». مؤلف الكتاب الممنوع السيد بلاكمون، قال في مقابلة هاتفية: إنه لم يسمع عن أي حالة منع أخرى لكتابه في ولايات الجنوب الأمريكي العنصرية، وأضاف بأن مجموعة حقوقية تعمل على إنتاج فيلم وثائقي عن هذه القضية قد منعوا من التصوير في إحدى مدن ولاية ألاباما من قبل عمدة المدينة والنائب العام.
وأضاف: «إن حجة أن كتابا مثل كتابي يعتبر حارقا أو يدعو بطريقة ما إلى العنف هي سخيفة جدا». وقال: إنه لاحظ قلق بعض المسؤولين بينما كان يقوم بزيارة بعض المحاكم في بعض مقاطعات ولاية ألاباما أثناء تأليف الكتاب ولكن بدون مقاومة أو منع له. وأشار: «بصراحة تلك الأحداث العنصرية دفنت عميقا في الماضي لدرجة عدم وجود كثير من الناس الذين يعرفون عنها حتى يكونوا حذرين منها». في الواقع، تم نقل آخر المحكومين بنظام «تأجير الإدانة» والذي عثر عليه في أحد مناجم الفحم القاتلة في برمنغهام عام 1928 حيث أرسل إلى سجن كيلبي!!
-