Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
أفق
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
مقاربة
عبدالواحد الأنصاري في روايته "ممالك تحت الأرض":
في الرواية سعي حثيث لكشف مـخبوء الحكاية القديمة
عبدالحفيظ الشمري

عبدالحفيظ الشمري

درج الكاتب والروائي عبدالواحد الأنصاري في مشروعه السردي منذ البداية على اقتفاء حساسية الخطاب الإنساني المفعم دائماً بتجليات الألم والعناء الدائم، حيث تفرض الواقعية مهابتها على فضاء العمل حتى يصبح الأمر واقعاً لا بد للقارئ أن يتفاعل معه.

فقل أن تجد البطل في روايات الأنصاري إجمالاً متفائلاً يبسط أساريره إنما تراه وقد غلبت عليه صور الفقد التي يظل يصقلها دائماً كجوهرة لتظهر جلية مبهرة في تفاصيلها وحضورها.

فها هو الأنصاري ينغمس في روايته الأخيرة «ممالك تحت الأرض» في لجج البحث عن الذات التي تتشرب معاني الرغبة وتجهد في سن حراب الكشف من أجل أن تصل إلى عمق الحقيقة من خلال رؤية واعية تتلمس كل ما هو محتمل يناوش اليقين.

تسير رواية «ممالك» في اتجاه واحد يعتمد على رحلة الكشف عن خبايا الذات من خلال البطل الراوي الذي يمعن في سرد أدق التفاصيل عن النفس البشرية التواقة للمعرفة والوصول إلى ما لا يمكن الوصول إليه من الحقيقة أو ما يشبهها.

فالراوي العليم في الرواية عزم على سن رؤية سردية استنطاقية خالصة تنتزح عن فكرة البوح الجمعي إلى ما هو شخصي خالص، فلا تصل إليه البلاغة المعهودة، لأن هناك حاجة ما إلى مزيد من التأمل ومعرفة سبل التفكير المعمق، والتراسل في بناء علاقة وجدانية محلقة إلا أن البطل حينما يستشعر أهمية البوح يهمس بين فينة وأخرى سعيا منه إلى إبانة ما قد يحسبها الحقيقة.

فالبلاغة كما أسلفنا جاءت من قبيل الوصف المتمادي في غرائبية ما يوصف في المظهر العام للناموس المعتاد في البيئة التي اقترحها الكاتب لسرد النص وهي مغاور موغلة في العتق، وكهوف سكنها الأولياء، ونزل لأهل الله، ومراقد صالحين.

كما ذهب المبدع الأنصاري من خلال بطل روايته إلى تلمس حواف الحقيقة في الروح التي تتهادى نحو صيرورة الحس الوجودي الذي يتعانق مع فرضية أن الإنسان لا بد له أن يتماهى بروح من يحب ويتقاطع في الوجدان مع من تهفو إليه الروح بلغة محيرة تحتاج إلى شرح مستحكم وحسن إنصات وتأمل.

فالأنصاري في «ممالكه» ألح على الراوي وأخفى من أجل أن يكون الخطاب معمقا حتى يكشف اليسير من الخبايا التي تعد مألوفة في زمن ما قبل أن تتحول الحياة الآن إلى بعد مادي محسوس قد لا يكون للمعاني حضور موفق.

فقد اتكأ الروائي الأنصاري على اللغة الجزلة والعبارة الرشيقة وشغف تناولاته الغيبية لمسالك البحث عن إجابة للكثير من الأسئلة التي أرقته وهو سؤال مهم ورؤية ملحة تعكس القدرة الجمالية لاستنباط الكثير من الصور والمباهج التي تخلفها مثل هذه الانثيالات الوجدانية على نحو ذكر ما هو حسن يمكن مسايرته والأخذ به.

الأسئلة كثيرة جدا في فضاء الرواية أو الحكاية فهي ذات ناموس فلسفي يقارب منظومة الوله والمحبة والبحث عما هو متماه في طبيعة الإنسان الذي يبحث عن الحقيقة من خلال ذاته على نحو رحلة البطل في البحث عن حقيقة وجوده، حيث يلمس القارئ براعة الكاتب الأنصاري في اقتفاء هذه الخصوصية التي ألهم في سرد تفاصيلها مشفوعة بالكثير من التأصيل الفقهي والدليل القرآني بغية الوصول إلى الحقيقة التي افترض فيها مجارات العقل للنقل من خلال هذه الصور التي رسمها بعناية.

تأتي الرواية على هيئة لوحات معنونة بعناوين استيضاحية تعطي لكل مشهد وجوده الذاتي، فلم يغفل الكاتب أي ملمح إلا واستنطقه بغية تحقيق الرؤية الخالصة لمفهوم ما حاول أن يسرده هذا الفتى الذي انقطع للقراءة والتبتل والبحث عن الذات من خلال صورة معمقة ذات بعد نوراني يسترشد بقدرة الإنسان على خوض التجربة واستخلاص العبر وهو ما سعى إليه الكاتب في هذه الرحلة الشيقة رغم ألم بطلها.

* * *

إشارة:

* ممالك تحت الأرض (رواية)

* عبدالواحد الأنصاري

* دار الانتشار - بيروت - 2011م

* تقع الرواية في نحو 128صفحة من القطع المتوسط

* لوحة الغلاف للفنان محمود فريشخان

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة