السؤال تقدسه العقول، والواقع تعرفه الأجوبة ولا يعترف إلا بنفسه، والإنسان في تجربته الاجتماعية عرف من الاستفهامات ما لا يعادلها ربما في أي من تجاربه الأخرى، والسؤال الذي زرعته الفلسفة في الوعي الإنساني عبر التاريخ، حصدت عنه العلوم أعظم الأجوبة، وما بين الأجوبة العظيمة التي قدمتها العلوم السسيولوجية وبين الاستفهامات الفلسفية اللا نهائية عن المجتمعات، يجد كل إنسان في نفسه نصيبه الخاص من الأسئلة ويخوض في رحلته الفردية بحثًا عن أجوبتها، ويتداولها تلقائيًا وبحيوية في أوساطه الاجتماعية الصغرى منها والكبرى، المستمرة والمنقطعة، وعملية التداول هذه بديناميكيتها النشطة تحديدًا هي ما يجعل للسؤالات في الشأن الاجتماعي صوتًا أعلى وحضورًا مكثفًا في واقعنا..
واقع المجتمع السعودي اليوم ومنذ الأمس القريب فقط يدير شبكة استفهامية عن نفسه وحولها على مستويات عدة، فمن المجالس العامة وأوساط العمل كشكل من أشكال الثقافة الشفوية إلى ما نطالعه في الصحف والإنترنت التي تمثل نوعيًا الثقافة المكتوبة نسمع ونقرأ الكثير عن هذا المجتمع أحواله ظواهره مشاكله هويته ومصيره وغيرها، وما بين هاتين الثقافتين الشفوية والمكتوبة ثمة تساؤلات اجتماعية تعيش معنا منذ حين، نسعى على إجابتها ولم نبلغها وقد لا نبلغها، فهل ثمّة مشكل أساسًا في نوعية الأسئلة التي نطرحها أم أننا متعثرون بالجواب فقط، هل تنتهي صلاحية الأسئلة، أو هل هنالك سؤال صائب وآخر خاطئ، لماذا تتكرر الأمثلة في نقدنا الاجتماعي، وكيف نستطيع ملاحظة الظواهر ووصفها دون أن نقف على أسبابها، هل ننحصر في أحادية السبب ولماذا، وكم نعتقد أن معرفة السبب تعني الحل، هنا في هذه الفسحة من الكتابة سيتركز الجهد على مقاربة ذاك الإمكان المعرفي الأساس الذي تنطلق منه هذه التساؤلات وأجوبتها المتداولة بيننا على الألسن والورق، في محاولة لاستدراك الممكن من الوعي في هذه الأسئلة، وعن التنميط الفكري الذي يتحكم بالسؤال قبل جوابه، عمَّا وراء السؤالات من معنى وغاية ومقصد ستسعى هذه الفسحة أن تصل..
هنالك الكثير من الأسئلة التي نتداولها شفاهيًا سُلاف مجالس عابرة نتفاجئ بها عناوين بحث مكتوبة وجادة، فهل على الثقافة المكتوبة والشفوية أن تتشارك بالأسئلة، ولماذا سؤالات: (أبناؤنا إلى أين؟ شبابنا إلى ماذا؟ أين المستقبل؟) وغيرها من أسئلة المصير تلِّح على خاطرتنا الفكرية وترسم خارطتها، متى تشترط الحاجة فينا السؤال؟ ومتى تفك الأسئلة شروط واقعها الاجتماعي؟ هذا وغيره مما يسمع ويطرح، يقرأ ويكتب بشكل يومي سيأخذ كامل هذه المساحة، وسيكون الجواب عن الأسئلة التي تتناول هنا مقصودًا غير مكتوب، فالتفكير في الجواب أهم من معرفته، والرغبة في معرفة الإجابة هي قاعدة مشتركة بين الكاتب والقارئ، والبحث عن الأجوبة والطريق إليها هو ما سيقرئه القارئ لا الجواب نفسه، لأن زاوية «عن لماذا؟» تسأل القارئ عن الأسئلة ذاتها، وهي لا تجيبه؛ لأنها تنتظر منه الإجابة، فهي لا تملكها قبل قراءته لها، ولا تعرفها قبل أن يستنتجها هو، لكنها حتمًا تقصدها بالكتابة وبالبحث.
الآن هذه الفرصة الكتابية تأمل أن تخلق من مساحتها الأسبوعية هنا منطقة تفكير مشترك مع القارئ، ذلك لأن الوعي يختبره فعلي القراءة والكتابة وفاعليهما قراءً وكتابًا، والوعي في أهم أحواله حوار بين الاثنين القارئ والكاتب، وكل فصل بين فعلي القراءة والكتابة هو عزل لأثريهما عن بعضهما البعض والأثر الذي يعزل لا يمتد والأثر الذي لا يمتد لا يحيا، والوعي حياة.
Lamia.swm@gmail.com
الرياض