* * اعتاد ألا يكتبَ ما لا يكلف به، وكان أسلوب العمل يقضي بتكليف الكتاب المتناوبين على زاوية «هوامش صحفية» وصفحة «24 ساعة إجازة»، ويذكر مقاله الأول في الهوامش وعنوانه «في الصحراء ولا نرتحل» وفاجأه -بعد أيام- ردٌّ لطيف من أمين الرياض حينها معالي الأستاذ عبدالله العلي النعيم الذي لم يعرفه مباشرة إلا بعد سنوات طويلة أعقبت تركه منصبه حين تواصل معه وكتب «متطوعًا دون مقابل» تجربته الإدارية في كتابه: (الإدارة بالإرادة) .
* * كانت صفحة « 24 ساعة إجازة « تصدر كلّ جمعة، ويكلف بها بعض الأسماء البارزة من خارج التحرير وداخله، وكان يتمنى إعدادها لكنه لم يجد اسمه ضمنهم ؛ فلم يسعَ إليها مكتفيًا بما لديه من مهام «تحرير أدب وثقافة يوميّا وتقديم صفحة قراءة في مكتبة كل جمعة وزاوية الهوامش كل أسبوعين وزاوية الساعة الخامسة والعشرين لعدد الجمعة دون تحديد موعد ثابت»، ثم بلغه طلب تحريره صفحة « 24 ساعة إجازة « ؛ ولا يذكر إن كان بديلا أم أصيلاً ؛ لكنه يعلم أنها كانت الأولى والأخيرة؛ فقد أقسم ولم يحنث ألا يعود لمثلها أبدا.
* * يعرف أنه تعب في إعدادها؛ فالصفحة الكاملة - بالقياس القديم الكبير - تستهلك أكثر من 4000 كلمة، وأقلّ مع الصور، واجتهد في إعداد مادة منوعةٍ ثريةٍ تتفق مع اقتناعاته وقراءاته، لكنه فوجئ - يوم الخميس السابق للنشر- بأن ما أجيز منها لا يتجاوزُ خمسها، وأضيفت لها مواد ليست له، ومنها أحاديث شريفة لا علاقة لها بمحتوى الصفحة وشكلها، وإعلانٌ بحجم ثلث صفحة لمبيدٍ حشري!
* * تميّز غيظًا في داخله ولم يفقد هدوءَه في خارجه؛ فكذا نشأ واعتاد وأنّى له إخلافها رغم يقينه بخطأ هذا السلوك؛ فخيرٌ أن تلقي أعباءك لحظةَ ألم من أن تكتنزها ذاتُك ساعة استعادة، وحاول -والمطابع توشك على الدوران- إنقاذَ اسمه «الجديد» من هذا العبث الظالم لكنه لم يفلح بعد إلحاحٍ خجول إلا في موافقة مسؤول تحريري رفيع بنقل الإعلان؛ فقدم له بديلاً لوحةً جميلة لمركب وبحر وأفق مع بعض كلماته التي نثرها من تأمل المشهد المرسوم والحياة المشاهدة، وسلم المادة للمسؤول الذي طمأنه فانصرف أقل غضبًا لكنه لم يغفر الإضافة التي لم تجدِ محاولاته بطلب حذفها.
* * ذهب لصلاة الجمعة واشترى الجريدة وأحسّ بالألم مضاعفًا؛ فالمبيدُ الحشري لم ينقل من مكانه، واللوحة كبروا عليها أربعًا؛ فمات كل إحساسٍ جميل لديه حين تشوه عمله الذي تطلع له وتعب فيه وأيقن أن الوضع الرقابي قد بلغ مرحلة ميؤوسًا منها، وحاول تبرير «المسخ» الذي نسب إليه مع أصدقائه على الأقل فلم يشف ما به من وجع، وقرر الاستقالة الصامتة احتجاجًا غير أن أفاضل قريبين من دائرته أقنعوه أن ذلك سيسهم في زيادة تفريغ الصحيفة من كفاءاتها بعد ابتعاد رقم كبير منهم في فترة سابقة لحضوره؛ فاستشار واستخار وقرر البقاء محرمًا على نفسه تلك الصفحة الجميلة، وأيقن أن الآتي مليءٌ بالعجيب والغريب؛ ما قد ينسيه هذه الصدمة، وتعزى حينها «تناسيًا لا نسيانًا» بطلبٍ من شخصية صحفية غالية عليه سأله مرافقته لندوة مهمة ففعل لكنه قرر ألا يعود لمثلها؛ وفي الخميس القادم حكاية.
Ibrturkia@gmail.com
twitter:@abohtoon