بعد الرد الشهير لسعادة وكيل الثقافة الدكتور ناصر الحجيلان على من لاحقه طالباً تفسيراً لنتائج انتخابات نادي جدة: «اسألوا من وضع اللائحة»، دارت الأسئلة في الساحة الثقافية حول أولئك الذين وضعوها، ففي الرد إيحاء قوي بتنصل الوزارة من قيامها بوضع اللائحة وفيه إعلان صريح بعدم مسئوليتها تماماً عمّا جاء فيها. وفي دعوة سعادة الوكيل للسائلين بالتوجه إلى من وضع اللائحة دافع لتقصي الحقائق ليس من أجل معرفة شخصية واضعها فقط، بل ولمواجهته بعيوبها وثغراتها التي اعترف بها سعادة الوكيل نفسه في مناسبات أخرى: ففيها «خلل وثغرات تحتاج إلى دراسة وتعديل» وبها قصور «سنسعى جاهدين لتغييره بعد مرور سنة على هذه الانتخابات»، فاللائحة بحاجة إلى مراجعة شاملة وتعديلات.. بعد رصد جميع الملاحظات التي حدثت خلال الانتخابات الحالية».
هذا هو الموقف إذاً:
1- لائحة لم تضعها الوزارة.
2- هي لائحة وضعها (من؟) من الناس، وهي 3- لائحة ما زال بها أخطاء مربكة، 4- تتعهد الوزارة بإصلاحها.
لذلك فالموقف يستلزم البحث في تاريخ وضع اللائحة والإفصاح عن أسماء واضعيها إن أمكن ومتابعة مراحل صياغتها، ثم خروجها علينا في شكلها الحالي والأخير.
إحقاقاً للحق، يشهد للتاريخ كل من سألته خلال بحثي عمن وضع اللائحة أن هذه ليست أول لائحة للأندية الأدبية، فقد كانت هناك لائحة قديمة (سيصدرها نادي الرياض الأدبي قريباً في كتاب)، وقد كانت لائحة مجمدة ولم تفعل بالشكل المطلوب.
ثم حين جاءت الموافقة على قيام الأندية الأدبية، جرى العمل على وضع لائحة تأسيسية كانت هي المعتمدة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب لتطبيقها في الأندية الأدبية، وقد بقيت هي المرجع الوحيد لمدة ربع قرن أو يزيد، وإن لم تكن ضابطة للعمل بالشكل المطلوب.
(لم أنجح في الحصول على اسم واحد لواضعي هاتين اللائحتين).
ومع إنشاء وزارة للثقافة جمع الوزير السابق إياد مدني ما يزيد على 200 مثقف ومثقفة في جدة للتحاور في ورشة عمل مكثفة حول تنظيم العمل الثقافي ووضع لائحة للأندية الأدبية، وكان موضوع الانتخابات هو المحور الأبرز، وقد حضر الوزير ووكيلا الثقافة حينها السبيل وباقادر معظم حلقات النقاش، وكانت يومها الولادة الحقيقية لفكرة الانتخاب، وليقل من شاء أن يقول: إن الوزارة السابقة كانت ضد الانتخابات لسبب أو آخر، إلا أن الحقيقة الناصعة التي يعرفها مئات المثقفين أن الوزارة السابقة هي صاحبة المبادرة الديموقراطية، وأن الإجراء الانتخابي كان قد طبق فعلياً خلال الفترة الوزارية السابقة فشكلت الجمعيات الثقافية المختلفة عن طريق الانتخاب وتم حصول المرأة على عضوية في مجالسها، وهذه انتجازات تحسب لتلك الوزارة ولوكيلها الدكتور عبد العزيز السبيل.
بعد ذلك الاجتماع كلف السبيل أربعة أعضاء من أربعة أندية هم: سحمي الهاجري من جدة وحسن الصلهبي من جازان ومحمد الدبيسي من المدينة وعبد الله الوشمي من الرياض، بوضع ما وصفوه هم ب»مراجعة اللائحة التأسيسية وصياغة خطوط عريضة لمسودة أولية جاهزة للنقاش وللعرض على أعضاء مجالس الأندية الأدبية».
بعد اجتماعات مصغرة ومكثفة توصلت اللجنة الرباعية إلى تصور أولي تم عرضه على مجالس الأندية.
وكان الجزء المالي والإداري بمثابة مراجعة وتعديل للائحة التأسيسية، لكن تصور اللجنة تضمن لأول مرة تنظيماً مبدأياً لمشروع الانتخابات.
كانت المحطات التالية للائحة هي تحركات كالمد والجزر الطويلة بين أعضاء مجالس الأندية الأدبية وبين اللجنة الوزارية التي كان يرأسها السبيل (ومن بين أعضائها عبد الله الشهيل وصالح معيض الغامدي ومحمد الربيع) من جهة، والإدارة القانونية داخل الوزارة من جهة أخرى (؟).
وبعد التنقيح والتعديل تم الاتفاق في لقاء نجران الشهير بين الوكيل ورؤساء الأندية على صيغة نهائية لم تمر على اللجنة الرباعية، لذلك فإن الهاجري والوشمي والدبيسي والصلهبي بريئون ويتبرأون من اللائحة في صيغتها تلك التي غيرتها كثيراً عن وجهة نظرهم الأولية.
تعسرت اللائحة في القنوات الرسمية قبل انتهاء فترة الوكيل السابق عبد العزيز السبيل، لكنها وبعد أن تحولت من لائحة نظامية إلى لائحة تنظيمية، تحركت إلى شاطئ الاعتماد الرسمي على يد معالي الوزير عبد العزيز خوجة، وقد صدرت بتوقيع وكيله آنذاك عبد الله الجاسر، مع وعد باستعداد الوزارة لأي تغيير يراه أعضاء مجالس الأندية.
وعلى إثر ذلك شكلت اللجنة السداسية التي رأسها أحمد الطامي مع خمسة رؤساء أندية أدبية: (عبد الله عسيلان، مسعد العطوي، أنور آل خليل، عبد الله الوشمي، عبد المحسن القحطاني)، وذلك لدراسة اقتراحات الأندية تمهيداً لإعادة صياغة اللائحة صياغة توافقية.
وقد يسأل سائل: لماذا تراجع اقتراحات الأندية بعد أن اعتمد أعضاؤها صيغتها النهائية في نجران؟ سؤال ذكي جداً ستأتي إجابته أكثر وضوحاً على لسان أحمد الطامي بعد أن ينتهي من عمله في اللجنة ويقدم مقترحات لجنته السداسية للوزارة.
فبعد صدور اللائحة معتمدة مرة أخرى، نجده يصرح: «لا نعلم لماذا تم تجاهل بعض المقترحات المهمة... ولكن للأسف لم تلتزم الوزارة بوعدها».
لذلك فإن الطامي والعسيلان والعطوي وآل خليل والوشمي والقحطاني بريئون ويتبرأون من اللائحة في صغيتها تلك التي الغت وجهة نظرهم التوافقية.
لجان ومثقفون نابهون وعمل مضن على مراحل زمنية طويلة، ثم تأتي النتيجة مخالفة ومؤسفة، فما الذي يجري هنا؟ وهل من العدل أن نشير بأصابع الاتهام للمثقفين كجهة اختصاص وحيدة لوضع اللائحة ونلقي عليها باللوم حين تحيد بنا الانتخابات عن مسارها المطلوب، في حين أن عمل المثقفين وجهدهم يتعرض للاستبدال والهدم دون الرجوع إلى لجانهم التي اجتهدت وفكرت وأسست؟ وحين لا ينفذ عمل اللجان كاملاً حتى بعد الاتفاق الجماعي عليه، فإن اللائحة تخرج من دائرة الانتماء لهم، وتصبح بنودها مفروضة عليهم فرضاً، ارتضوها أم رفضوها، فأي انتخابات ديموقراطية نريدهم أن ينخرطوا فيها ويشجعوها بحضورهم بعد ذلك؟ وإني والله لأشفق على اللجان القادمة التي سيترأسها سعادة الوكيل للمراجعة والتعديل كما وعد، فلا ضمان لحفظ جهودهم ولا تقدير.
الآن يا سعادة الوكيل، ها قد سألنا من وضع اللائحة، فتبين لنا ما تبين، فإلى أين تريدنا أن نتوجه باعتراضاتنا وتساؤلاتنا وامتعاضاتنا؟ في كل هذه الاتجاهات التي أخذتها اللائحة، يبدو أن الجهة التي تعبث بها وتغيرها وتبدل بنودها في كل مرة، هي في داخل الوزارة، لذا لن يسعنا نحن أن نسألها، فهلا سألتها أنت عنا؟
جدة