الفصل الثاني:
- النقد المنهجي:
يناقش هذا الفصل من أقسام النقد المنهجي قسمين متوافقين في المنهج ومختلفين في الرؤية في آن واحد: الأول، النقد الذي ظهر من خلال الدراسات النقدية المنهجية، وهي دراسات قامت على منهج مدرسي مقنن، تحت إشراف مباشر من قبل جهة علمية رسمية تتبنى مشروع الباحث، ويتحكم في هذا المشروع سياسة الجامعة التي يقدم فيها الباحث دراسته، وينقسم إلى قسمين: الأول، دراسة مرهونة برتبة علمية (دبلوم أو ماجستير، أو دكتوراه) أو ما هو في حكمها. وبما أنه محدود بسياسة معينة، ورأي مشرف معين- مما يحد من فكرة الباحث كاملة- فإن البحوث النقدية المقننة تأتي متوافقة مع بحوث أخرى تقلل من أهمية البحث وإبداعيته، ويشبه هذا النقد المقنن، البحث النقدي المرهون بوسيلة النشر، التي تشترط التحكيم الخاضع لرأي المحكَم، الذي يفرض على الباحث تغيير بعض مفردات البحث، مما يسبب خللاً وقصوراً في الفكرة العامة من البحث. ويتوقف النقد المنهجي على منهج معين من مناهج النقد الأدبي، ويسير على منهج تلك المدرسة التي ينتمي إليها، ومهما حاول الباحث في النقد من خلال هذا المنهج أن يحيد عنه ويطرح فكرته الخاصة ورؤيته الذاتية فلن يستطيع، وإن حقق منها بعض ما يريد فإنه لن يستطيع أن يحققها كاملة، بالخروج على المنهج الذي رسمه لنفسه وقررته الجامعة التي ينتمي إليها، ولا سيما وهو صاحب الحاجة الملحة في انجاز مشروع رسالته، هذا فيما يخص النظام العام للجامعة المنتمي إليها الدارس، أما ما يخصه فإن قدراته التجريبية والعلمية ما تزال في بواكير ها، والجانب المعرفي ما يزال غضاً لا يمكن الاعتماد عليه،فإن وفق بمشرف يأخذ بيده ويوجهه التوجيه الجيد فسيكون له شأن في المستقبل، وإلا حدث العكس،فالطالب صورة مصغرة من أستاذه. وفي كل عام تناقش مئات الرسائل في الجامعات العربية وغير العربية، ويحصل أصحابها على الدرجات العلمية، ومن ثم تبقى رهن رفوف المكتبة، وبالتالي تنقطع الصلة بينها وبين الميدان الثقافي والنقدي على وجه الخصوص،وتتكرر التساؤلات عن نشرها ولماذا لم تنشر؟ ونجد أن بعض هذه الرسائل تقدم للنشر وبعد فحصها نجد أنها غير صالحة للنشر، لأسباب كثيرة، منها: ضعف المادة، وركاكة اللغة، وتكرار الفصول.. وغيرها. وبما أن الطالب أنهى المواد المقررة عليه في بعض الجامعات، وخاصة على النظام الأمريكي، فإنه يقدم بحثاً لا يختلف عن بحث التخرج الذي يكمل به الطالب متطلبات التخرج في مرحلة البكالوريوس في جامعاتنا العربية، وهذا لا يرقى أن يكون كتاباً نقدياً يعتد به،كما أن بعضها يأتي في عدد من المجلدات، تتكرر فيها الجمل والعبارات مرات عديدة، ومن ثم يصعب نشرها، إما لعدم الفائدة، أو لثقلها على المتلقي، لأسباب كثيرة. ولأن معظم هذه الرسائل تبقى رهينة الرفوف في المكتبات الجامعية معزولة عن بقية الكتب المؤلفة، في مكان خاص بها، فإن فائدتها تنعدم ببقائها في ذلك المكان، ولا يعود إليها إلا من تحدوه الحاجة إليها من الباحثين، في ظروف ضيقة جداً. وقد صدرت تلك الرسائل من جامعات عربية وسعودية، ومن جامعات غير عربية، وأغلبها باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وقليل من اللغات الأخرى؛ ولعل من أول هذه الرسائل التي صدرت وعادت فائدتها على الأدب ونقده، رسالة الدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ، التي حصل عليها من جامعة لندن، مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية، سنة1967، وأصبحت مرجعاً للدارسين من بعده، في الصحافة والنثر الأدبي من خلال تلك الصحافة التي ظهرت في الحجاز(19) ، وحصل إبراهيم الفوزان على الدكتوراه من جامعة الأزهر في القاهرة،( الأدب الحجازي بين التجديد والتقليد) وأصدرها في كتاب في ثلاثة أجزاء، وكان كتاباً تأسيسيا لكل فروع الأدب، وقد عالج فيها الأدب في منطقة الحجاز بشكل عام، وصار مصدرا أساسياً من مصادر الدراسات الأدبية في مرحلة النهضة، بين الشعر والنثر(20) ويعتبر هذا الكتاب بعد صدوره مرجعاً للدراسات التي صدرت بعده بجانب الدراسات التي أسست لدراسات نقدية أكاديمية. ومن باب أولى أن نشير إلى الدراسات التي سبقت هذا الكتاب في هذا المحور من الدراسات الأكاديمية من الأخوة العرب الذين كانوا يعملون في المملكة، مثل الدكتور بكري شيخ أمين، الذي أجرى دراسته عن الحركة الأدبية في المملكة (21)، وكانت دراسة عامة تحسب في منهج واحد مع دراسة الدكتور الفوزان من حيث التأسيس للنقد المنهجي بصفة عامة،وكانت فائدتها للباحثين في الدراسات الأدبية عامة لمن جاء بعدها بدراسات تخصصية دقيقة.
ولعل من الجدير ذكره من الدراسات التي أخذت مجال التخصص الدقيق، دراسة الدكتور عبد الله الحامد، التي درس فيها الشعر في الجزيرة العربية، من حيث الإحصاء والتفريعات الأكاديمية (22)وقد تجاوز الباحثون الدراسات العامة إلى الدراسات التخصصية في م طلع الثمانينيات من القرن الماضي، فظهرت الدراسات في الفروع التي كان الباحثون فيها يجمعون شتات الأدب في دراسة واحدة، كما أسلفنا تحت عنوان واحد وهو(الأدب) بشكل عام، حيث ظهرت لأول مرة دراسة عن الصحافة الأدبية، بينما كانت الدراسات تظهر عن الصحافة بمعناها العام ، فظهرت دراسة الدكتور، غازي زين عوض الله، عن الصافة الأدبية، حصل عليها من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وصدرت في كتاب فيما بعد(23) كما ظهرت دراسة عن القصة القصيرة في المملكة للباحث، سحمي الهاجري، حصل بها على درجة الماجستير من جامعة القاهرة، وصدرت في كتاب عن النادي الأدبي في الرياض(24) كما ظهرت دراسة عن الرواية لمعد هذا البحث، حصل بها على درجة الدكتوراه من جامعة جلاسكو في إسكوتلاندا بالمملكة المتحدة(بريطانيا)، صدرت بعد أن قام بترجمتها إلى اللغة العربية(25)، وهذه الدراسات التي عالجت الجوانب الفرعية في الأدب صارت أكثر فائدة من دراسات الأدب بعامة. وللحديث بقية في الحلقة القادمة.
الرياض