Culture Magazine Thursday  06/10/2011 G Issue 349
فضاءات
الخميس 8 ,ذو القعدة 1432   العدد  349
 
رؤية
المرايا المقعرة والمحدبة والمغبشة!
أ.د. فالح العجمي

اعتاد الناس أن يبتاعوا أو يستأجروا واحدة من هذه المرايا من صاحب المحل، الذي يبرع في تسويق بضاعته بواسطة أوصاف الأحلام، التي تتحقق من خلال هذه المرايا.

ولأن الناس تؤلمهم رقابهم وهم يتطلعون في هذه المرايا المرفوعة في السقف، فإنهم يسلّمون بما يدّعيه التاجر من رؤى خيالية؛ لا تتحقق إلا من خلال التغبيش. ومع الزمن وتكرار الأقاويل عن فاعلية تلك المرايا، أخذ الناس أنفسهم يبرعون في وصف تلك الرؤى، وصناعة التغبيش بأنفسهم.

أصبحت صناعة متقدمة؛ يدخل في مكوناتها كثير من الإكسسوارات والتفاصيل التي لم يفكر فيها مبتكر المرايا نفسه. يحكي أحدهم أنه يرى نفسه كل يوم من خلالها بشكل متجدد، ويرى زوجته بأشكال متعددة، مما يدخل السرور إلى نفسه، ويدعوه إلى الإعجاب بها في كل مرة بشكل لم يعهده من قبل. وقد كثرت الأقاصيص المرتبطة بالجنس ودواعيه من خلال تلك الطريقة في النظر إلى الحياة، لكن أكثرها انتشاراً وجاذبية ما قيل عن قدرتها على التأثير في الآخرين البعيدين عنها، مما ألهب خيال المولعين بالأعمال السحرية وإنجاز الأشياء بأقل جهد ممكن، أو دون جهد على الإطلاق. فأصبحت العروض الأكثر رواجاً ما يدعو إلى استخدامها في الربط والفك الحلال وغير الحلال، والحب والكره، وتحقيق طرق النجاح عن طريق التأثير في الآخرين الذين يملكون قرار منح الفرص والترقيات. وفي غضون فترة وجيزة لم يعد للناس حديث إلا ما تحققه تلك الأدوات المعجزة من أفاعيل، وما يفكر فيه الناس من طرق غريبة وأمان عجيبة؛ تحولت إلى مدونات شعبية. فاختلط الواقع بالخيال كثيراً، وتشابكت عناصر المحسوس المادي مع مكونات الغيبي المتخيل، حتى أصبحت كثير من الأسماء والمصطلحات سائدة في تلك الثقافة. من المصطلحات ما تبنى أبعاداً نسبية، مثل الوسطية والتحتية والفوقية والبينية (بالياء، ولكن لا بأس لو قرئت دون الياء)، لكن تحت أو فوق أو وسط أو بين ماذا؟ لا يهم. بعضها على سبيل المثال بصيغة المفعول: المجرور والمسحوب والموطأ والمكسور، وبعضها بصيغة الفاعل: الهارب والضارب والكاسر والمعجّل. عاتبني صديقى على أن لم ندخل في تجارة لم يعد أصلح منها تجارة في بقعة يهنأ من يتعرض فيها للاستغلال بطريقة مازوشية، متلذذاً بترديد فكرة هوان كل الأشياء، وأن المرء موعود بالعدل والإنصاف في الدار الآخرة. قال كلاماً كثيراً، جعلني أصاب بالذعر: هل يتصف الناس الذين يتحدث عنهم بالخواء؟ أم إنه هو قد أصيب بالجنون؟ أم إنني قد أصبت بداء انتشر كثيراً في بلاد المعرة والمغزة وغيرهما؛ خلاصته أنه يؤدي بمن يصاب به إلى الاختلاط؟ وهي درجة ربما تكون أقل من الجنون، لكنها تؤدي إلى عدم القدرة على فهم الأشياء أو تحليلها.

لكني جمعت شتات ما بقي من قوة، وأجملت له موقفي في كلمات؛ لا أدري إن كانت متصلة ومفهومة، وما الذي فهم هو منها: يا عزيزي هب أن كلامك صحيحاً، فهل تظن أن مبادئنا التي أنفقنا العمر في الحفاظ عليها تسمح لنا بذلك؟ وأن أعمارنا تتيح لنا أن نتعلم غيرها؟

لكنه صمت!

وقد تباينت الرؤى في مصير تلك التجارة على المدى الطويل، فأخذ كل فحل من كبار تجارها في استحلاب الطرق الأكثر فاعلية في بيع أكبر قدر ممكن من محوشاتها؛ فهم لم يعودوا يسمونها مرايا، ولا رؤى جديدة، كما كانت الدعوات إليها في بادئ الأمر. بذلت جهداً لأعرف المفرد من ذلك المصلطح، لكني عجزت؛ فإن عرفتم - أيها السيدات والسادة - فأعلموني!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة