Culture Magazine Thursday  06/01/2011 G Issue 328
الملف
الخميس 02 ,صفر 1432   العدد  328
 
جمعة الماجد.. القابض على الجمر
د. عبدالإله عبدالقادر

حينما نتحدث عن الرجال العرب الناجحين على مستوى العالم، لابد أن نذكر جمعة الماجد، فهو إلى جانب كونه رجل أعمال بدرجة امتياز، فهو أيضاً في الجوانب الإنسانية، الأخرى يظل مكانه في الصدارة بين المتميزين، وتسجل مبادراته وإنجازاته لتشهد الأجيال القادمة عمق وصدق، مثل هؤلاء الرجال الذين تأسسوا وفق منظور قد نكون قد فقدناه وتأرجح الرؤى التي ساعدت على تراجع مجموعة القيم المؤسسة للإنسان.

لابد أن نتطلع إلى سيرة نجاحه حتى يصبح قدوة للآخرين فالرجل لا يدعي أنه ولد وبفمه ملعقة ذهبية، إنما ولد لأب عصامي هو الآخر كان يعمل في الغوص للبحث عن اللؤلؤ ولذا بدأ حياته وهو في التاسعة من العمر على قارب صغير للغوص ليصبح بعد ذلك أحد أهم رجال الاقتصاد في دبي ودول الخليج.

في البداية اشتغل عند خاله أحمد بن ماجد الغرير لعامين، وأثبت جمعة جديته في العمل ومثابرة وحب شديدين، مما جعل خاله يفكر في مساعدته فخصص له دكاناً في سوق دبي وسلفه بضاعة لا تزيد قيمتها عن 700 روبية هندية، ومن هذا الدكان الصغير بنى مؤسساته التجارية التي أصبحت جزءاً من الاقتصاد الوطني لدولة الإمارات، وهذا دليل على قدرة الماجد وذكائه وعصاميته وجديته في العمل إذ كما يقول إنه كان يفتح الدكان قبل ساعة من بدء العمل في السوق ويكون آخر من يغلقه.

لا نريد أن نشدد على هذا الجانب على أهميته، إنما نشير إلى نجاحاته في العمل التجاري، ومساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني واتساع رقعته وقاعدته.

لم يدخل جمعة الماجد مدرسة نظامية، ربما خضع لفترة قصيرة للتعلم عند «المطاوعة» الكتاتيب، شأنه شأن أبناء جيله، لكن الرجل وانطلاقاً من عصاميته التي أشرنا إليها علم نفسه، ودخل جامعة الحياة لتصقله وتثقفه ثم ليلعب دوراً كبيراً في مجال التنمية البشرية وفي إطار البناء الوطني والقومي معاً.

في حكاية طريفة تعبر عن عمق حب جمعة الماجد للعلم، والاطلاع على ثقافة الشعوب، فعندما كان صبياً أراد أن يتعلم اللغة الإنجليزية عند أحد المعلمين الخصوصيين، ولم يكن يملك ثمن دورة التعليم وكانت لا تزيد عن عشرين روبية هندية، فاضطر أن يصارح المعلم بحبه ورغبته في التعلم وعجزه عن سد أجور الدراسة وفي المقابل كان المعلم إنساناً كبيراً حينما قبله واكتفى بعشرة روبيات.

هذا التعب المبكر في العمل وابتداء من التاسعة من عمره، والحرمان الذي عاشه في عدم توفير الوسائل الحياتية كالتعليم وغيرها، أسسته بشكل متميز ومنحته القدرة على البذل والعطاء وعمل الخير.

لذا نراه حينما ينجح في حياته العملية والاقتصادية وتنمو تجارته وتتوسع أرباحه فإنه لا يتردد في فتح أبواب الخير والمعرفة أمام الآلاف ممن يحتاجون لمثل هذه الرعاية والدعم المادي غير المحدود، ويبدأ مسيرة طويلة لسلسلة متواصلة من أعمال قد لا يمكن أن تستوعبها هذه الصفحات، إلى أنني ربما أوجزها وأقول: إن جمعة الماجد بدأ في أول حياته، خطواته الأولى لأعمال الخير، وإيجاد وسائل وطرق لبناء الإنسان، حينما فكر في إنشاء مدرستين نظاميتين في دبي، يوم لم تنتشر مثل هذه المدارس متبرعاً بجزء من الكلفة المادية داعياً أصدقاءه من التجار أمثال حميد الطاير، حميد بن سليم، ناصر راشد لوتاه، عبدالله الغرير وغيرهم، وبمباركة وتعاون من الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي حينذاك.

من تلك النقطة انطلق الماجد لينذر جزءاً من أمواله وأرباحه لخدمة العلم والمعرفة لذا نجده يواصل خطواته ويؤسس كلية للدراسات العربية والإسلامية في دبي ويدعمها مادياً بعد أن جعل الدراسة فيها مجاناً، وسلسلة من مدارس خيرية غير ربحية مدعومة مالياً من قبله، ولكافة مراحل الدراسة ليتيح الفرصة لآلاف الطلبة للتعليم المجاني أو شبه المجاني أحياناً، إلى جانب مشروعه الحضاري الكبير في «مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث»، والذي استطاع أن يجعل منه مركزاً إقليمياً لحفظ وترميم المخطوطات والوثائق النادرة والتي جمعها من جميع أنحاء العالم ساعياً بنفسه عبر رحلات طويلة في شرق وغرب الكرة الأرضية، إلى جانب المال الذي يبذله لتغطية نفقات هذا المركز وأسس أيضاً قاعدة علمية تمتلك تجربة طويلة في ترميم الكتب والوثائق والمخطوطات وبذلك استطاع أن يرمم آلاف الكتب والوثائق والمخطوطات ويعيد الحياة إليها، وقد استفاد من هذه الورشات في ترميم الكتب الكثير من المراكز المشابهة والتي تمتلك مخطوطات ووثائق وكتب تحتاج إلى ترميم إذ وفر الخدمة لكل هذه المراكز في العالمين العربي والإسلامي.

إن نجاح دبي في الحقيقة تابع من نجاح رجالاتها الذين أسسوا بتميز منهم الشيخ راشد بن سعيد، ورجال آخرين بنوا اقتصاد وطني متين ومؤثر ومثمر، كان جمعة الماجد أحدهم، لأنه نموذج لعقلية التجاري الناجح والمؤسس، مثلما هو مؤسسة ثقافية خيرية كامنة في رجل واحد فكلا الطرفين يكملان شخصية جمعة الماجد، من الصعب أن تحقق ثقافة ما بدون المال وتبني وتؤسس الإنسان، وبدون عقل مثل عقل جمعة الماجد لا يمكن أن يدوم الخير وتنجح المشاريع، وينمو ويتطور الوطن.

أمين عام جائزة العويس

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة