Culture Magazine Thursday  29/04/2010 G Issue 308
الثالثة
الخميس 15 ,جمادى الاولى 1431   العدد  308
 
ثقافة المركز والأطراف..وهم التبعية وحقيقة الإبداع

الثقافية - عطية الخبراني

تلوح بين الوقت والآخر قضية المركز والأطراف أو المركز والهوامش في ثقافتنا العربية، حيث ترى بعض الأماكن أنها مراكز ثقافية والبقية هوامش تقتات عليها ثقافياً وتغذيها هي. الثقافية طرحت تساؤلاً حول قضية ثقافة المركز والأطراف على عدد من النقاد والمثقفين الذين أبدوا أن هذه القضية ليست حديثة، وقد انتهى الزمن الذي يرى فيه البعض سيادته الثقافية وأن الآخرين يتبعون له وتسيرهم ثقافته السائدة مؤكدين أن الزمن أصبح كفيلاً بأن يستطيع الإنسان أن يصنع ثقافته ومشهده بنفسه دون أن يكون لمثل هذه القضية أثر على صناعته لمشهده.

كما طرح سؤال آخر يتصل بالقضية ذاتها, كيف تنظر لثقافة المركز والأطراف أو المركز والهوامش ومدى تأثيرها على أحقية المثقف في الحصول على الجوائز أو السيادة الثقافية؟.. حيث أكد أستاذ النقد والنظرية بجامعة الملك سعود الناقد الدكتور معجب العداوني أن لكل حقه المشروع في إبداء رأيه كما يشاء، وكيف يشاء، معتقداً أنه ينبغي احترام آراء من يدلي برأي نقدي في عمل أدبي، وألا يعد ذلك الأمر استهدافاً لأحد، أو انتقاصاً من شعب، مؤكداً أنه ينبغي أن تكون تلك الرؤيات نابعة من أحكام نقدية علمية وغير مؤسسة على نظرة قديمة ترتكن على مركزية ثقافية مضللة، ولذلك فإن من المهم أن يشار إلى أن مبدأ الارتهان إلى تلك النظرة سيوقع بالتأكيد في أزمة التمركز حول الذات فضلاً عن تضخمها، ومن ثم التقليل من منجز الآخرين، لقد ولى زمن المركزيات في الثقافات الكبرى، ومن ثم أضحى الارتهان إليها أمراً في عداد الماضي، ذلك أن السياقات الثقافية داخلياً وخارجياً قد أثبتت أن العالم متغير ولا ثبات لمركز ما.

ويضيف العدواني: مع بدء بناء منظومة الدول الحديثة في العالم العربي شهدت تلك الانطلاقة عدداً من المراكز الثقافية في العالم العربي التي نهل منها طلاب العلم والمعرفة في كل أنحاء الوطن العربي، وكانت أسبقية تلك المراكز ناتجة عن بدء بناء الدولة، وكان لتلك المراكز فضل الانتشار الثقافي الذي لا ينكره إلا جاحد، ومن الإنصاف أن نشيد بدور الأسبقية الزمنية في ذلك، إلا أن الأوضاع قد تغيرت خلال نصف قرن مضى، وأصبحت الثقافة العربية تعج بمراكز ثقافية عدة من المحيط إلى الخليج، ولتلك المراكز الجديدة حضورها القوي والفاعل نتيجة عوامل مختلفة، وكان من عوامل النهضة الثقافية في دول الخليج على سبيل المثال توفر الدعم المادي، إذ أسهمت الحكومات في الإنفاق على المؤسسات الثقافية، إلى جانب اتصال الثقافة الخليجية بمراكز الثقافة العالمية التي لها تأثيرها الواضح في خلق بيئات ثقافية غنية أدت إلى احتفاء عربي وعالمي بإنتاج المثقف، أما العوامل الخارجية فقد أسهمت عوامل عدة مثل شيوع ثورة الاتصالات ولا سيما الإنترنت وتنوع قنوات النشر والتركيز على الاقتصاد المعرفي في تقريب بيئات عربية وغربية فازدهرت العلافات الثقافية بين الشرق والغرب وأصبح من غير المجدي أن نشير إلى أن هناك مراكز تستحق أن يشار إليها بالبنان، أو أن نعد الثقافة حكراً على مكان ما أو أمة ما.

فيما يرى أستاذ الأدب والنقد بجامعة الخليج الكويتية الناقد الدكتور أيمن بكر أنه ربما كانت هناك مراكز على مستوى الزخم الثقافي وكثافة الفعاليات بحكم عوامل كثيرة سابقاً, أما من ناحية الإبداع فالمبدع الآن أصبح كائناً كونياً لا يخفى عليه شيء في العالم ولا تقف حواجز دون وصوله للخبرة اللازمة لإنتاجه الإبداعي سواء في السرد أو الشعر أو المسرح أو غيرها.

المسألة أحياناً تأخذ شكل تعصب لرأي الفرد فنحن كما يعلم الجميع ثقافة تتعامل مع الديموقراطية وسيادة حكم الأغلبية بصورة سطحية, لذلك تعلن النخبة العربية كل أفكار الديموقراطية والعدالة, لكن تكوينها العميق لا يختلف كثيراً في ديكتاتوريته عن معظم الأنظمة, وبهذا المنطق كان المعترض سيجاهر باعتراضه إن فاز أي شخص غير من يريد هو, وفي أحسن الأحوال يمكن أن يكون الأمر مرتبطاً برؤية نقدية يتعصب لها الناقد ويؤمن بصدقها المطلق وتفوقها عما سواه, وهذا يقودنا ثانية لعدم القبول بالفكرة الديموقراطية في عمقها. ويختتم الناقد بكر حديثه بأنه يرى أن مسألة المركز والهامش لا تتعدى كونها وهماً كبيراً فيما يتصل بالإبداع الأدبي.

من جهته يرى الناقد والباحث الدكتور سلطان القحطاني أن موضوع الأطراف والمركز فكرة قديمة صنعها من يرون أنفسهم فوق الجميع، حيث وجدوا من يجعل منهم أعمدة من ملح، فظنوا أنهم سادة الثقافة، ومن سواهم على الهامش، مضيفاً: وإني أرأف لحالهم من هذه النرجسية والتضخم في الذات التي يرون أنها فوق الآخرين. واليوم ليس هناك طرف ومركز، بل هناك سباق في مجالات العلم والمعرفة والإنتا ج، ومن أراد أن يغني على الماضي، فليجلس على تلة من تلال الآثار ينعى حظه، ولن يلتفت إليه أحد.

فيما يخالف الكاتب عبدالله الماجد الجميع ويبدأ حديثه قائلاً: «الجغرافيا لا تكرر نفسها أكثر مما يُعيد التاريخ نفسه» هذه العبارة البليغة للعالم الراحل «جمال حمدان» تُجسد حقيقة المراكز والأطراف، فالمركز يظل مركزاً بحكم موقعه الجغرافي الذي يُكسبه عوامل أهميته؛ لكنه يضعف ويقوى بحكم عوامل الأحداث التاريخية التي تُعيد نفسها. والبشر هم أداته، يصنعون ضعفه وقوته.

ويضيف: المركز لا يموت، بل يفقد أهميته وقيمته بشكل مؤقت مرهون بدور البشر والعوامل التي تؤثر في قوتهم وفي ضعفهم. وتفقد قوته الناعمة تأثيرها كمحصلة لتضاؤل دور البشر. بفعل عوامل طارئة، فالمراكز الكلاسيكية القديمة لاتزال هي المراكز، بينما هناك هوامش الأطراف التي قد تبرز أدوارها بفعل مؤثرات «جيوبوليتكية» طارئة، أو مؤثرات طبيعية مكتشفة تجعل منها بؤرة للاهتمام الدولي. ولكي لا تكون آنية التأثير والدور لابد أن تتنامى فيها قوة البشر التي تصنع أهميتها.

ويتابع الماجد: لقد كانت بعض المراكز في العصور التاريخية القديمة مواقع طرد للبشر، لا مناطق جذب، كما نلاحظ في عصور الشعوب السامية، لقد فرغ الخزان البشري في التكوين الجغرافي المعروف الآن بالجزيرة العربية من إنسانه، كان أشبه «بالتنور البشري» أو بالبركان الذي يقذف بحممه البشرية إلى مناطق أخرى جاذبة تتوافر فيها عوامل البقاء والبناء، حيث انتصرت الجغرافيا بعواملها الطبيعية، وبرزت أهميتها، ووحدها المراكز الدينية التاريخية لا تفقد دورها ولا أهميتها، وتظل بفعل زخمها الديني وارتباط الإنسان بها في روابط العبادة مركزاً أزلياً.

وفي ذات السياق يقول الماجد: في مسألة المراكز والأطراف في الوطن العربي لابد أن ننتبه إلى ظاهرة القومية الواحدة، فإذا ما أُثيرت في نطاق التنوع الثقافي والتباين في البيئات، لابد أن ننظر إلى هذا التنوع على أنه يثري مكونات الثقافة الواحدة وأن الإنسان العربي صاحب المؤثرات المشتركة هو من يصنع هذا الاتحاد والتجانس الثقافي في آخر الأمر وليس الاتجاهات السياسية، ولا من التجانس الطبيعي الجغرافي، ثقافة المراكز والأطراف العربية ثقافة واحدة في مقوماتها الأساسية لغة واحدة وتاريخ وعقيدة واحدة. ركائز مهمة لا تتوفر في بيئات مركزية وأطراف مختلفة، وقد نلاحظ أن عقولاً ومواهب تظهر في الأطراف ولكنها تشع في المراكز، حيث أدوات القوة الناعمة المؤثرة، وفي البيئات العربية الثقافية الواحدة تصبح هذه العقول وتلك المواهب ملكاً لهذه البيئات.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة