Culture Magazine Thursday  29/04/2010 G Issue 308
سرد
الخميس 15 ,جمادى الاولى 1431   العدد  308
 
مقاربة
نادية البوشي في ديوانها «فتنة البوح»: بريق الشعر الفاتن ..ذاكرة التلقي الحانية
عبدالحفيظ الشمري

تطل الشاعرة نادية البوشي من خلال ديوانها الجديد «فتنة البوح» على عوالم الشعرية الوجدانية التي باتت هي الحالة الملهمة للإنسانية حيث حافظت على مقوماتها إذ لم تتحول أو تتبدل، فالشعر الذي تورده الشاعرة يظل هو العنوان الباقي لوصفيات البهاء الإنساني، لتطرقه من خلال جمل شعرية قصيرة معبرة، تنفذ إلى ذهنية المتلقي وذائقته بأقصر السبل وأدق الصور.

تؤسس الشاعرة لديوانها فضيلة البوح الذي لم يعد هو ذلك الجمال الآسر إنما أضحى بعد لأي فتنة من فتن الزمان، فالمذهب الذهني في هذه العنونة التلقائية يغشى واقعية ما ذهبت إليه، فهي التي تقرر أنها ستقول الشعر من منطلق يعاكس ما استدق من فرضيات الفضائل التي تحشر فيها بعض القصائد لجيش كبير من الشعراء، إلا أن نادية البوشي تستحدث آلية جديدة لبوحها الوجداني من خلال منظومات شعرية غير تقليدية تخرج النص من وصفياته المبسترة إلى إشراقات مبتكرة وهذا ما يلمسه القارئ لهذا الديوان.

فالقصائد حوت عدة رسائل إنسانية أهمها أن الشاعرة تظل مغرمة بالوجود الجميل، وبالمشاعر النبيلة وبشرعية الحلم الذي يسكنه الأمل على نحو المذهب الأول في القصيدة الثانية من الديوان حينما تشرع لفسحة النقاء تتوسم فيها جلال الجاذبية:

«وتجيء مثل النور

يحضنها الأمل..

وتزيح أتربة الوجل

فتسيل أسرار الأسى

ماتت سنين الجدب

والقهر العجاف

وحان صبح الأمنيات»

فالشاعرة نادية تضع معادلة الحياة الصعبة والشقية في وراد أن تحل وأن تغلب فيها فرضيات أجمل وإبداعات أجل لكي يبني الشعر خطابه المفاهيمي على جملة من التراسلات الوجدانية التي لا تقبل إلا الفأل رغم أن الشعراء قد يعرف عنهم السوداوية والقلق وربما اليأس على نحو ما عرضنا له سابقاً.

ديوان «فتنة البوح» إسار جميل لمعنى الشعرية المبتغاة في هذا المنهج الذي اختطته الشاعرة لخارطة قصائدها التي لا تخرج في الغالب الأعم عن رؤية تأثيرية واعية تحلل المفردة وتستنبط كنه الوجدان من أجل صياغة مفهوم إنساني حصيف يزاوج بين الواقع والخيال ويصنع من المفردة بعداً تأثيرياً خالصاً يستمد من الشعر وجوده وهيبته ومقوماته الجمالية التي لا تقبل أنصاف الحلول.

في خطاب الشاعرة البوشي رسائل وجدانية لا تغفل هم الإنسان الذي يبحث دائماً عن إجابات مقنعة لرحلة الأسئلة الوجدانية والتأملات والوجودية وفراغ الروح لحظة أن يفر الحب منها، على نحو قصيدة «أرجوحة الحب» حيث تؤصل الشاعرة لفكرة توحيد المنهج للديوان الذي ينبني على معطيات هذه الأسئلة العاصفة بالوجدانيات والتأملات والعتب اللذيذ .. ذلك الذي يشقي الإنسان ويجعل منه حائراً:

«وللحب أرجوحة

في ضلوع الحيارى

على حافة

الأمنيات اليسيرة

قلب ودفء»

فالديوان يتمحور كما أسلفنا على استرجاع أبعاد الذات التي تسكنها عادة الوجدانيات بوصفها محركاً رئيساً في بناء الحكم وإطلاق اليقينيات من عقال الفكر الذي يبني مجده الزاخر من خلال شعرية لا تعرف التملق أو المداهنة، فالشعر حينما يكون صاهلاً، ونابهاً لن تروضه الماديات التي تسعى هذه الأيام على وجه التحديد لطمس عوالم الخطاب الوجداني لنجد أن هذا الديوان قد اختط له طريقاً واحداً هو البحث عن خلاص الروح من منغصات كثيرة لا يمكن أن يحصيها أو يتعامل معها إلا الشعراء الذين تسكنهم الجماليات ليشرعوا في وصف المقاربة الإنسانية لكل فعل وجودي زاخر بالرؤى المتماوجة، والقناعات المتضاربة.

يبقى أن نشير إلى أن ديوان الشاعرة نادية البوشي يعد علامة مميزة في صياغة الوجدان نحو جدليات الحب وفرضيات العشق والتعلق قدر المستطاع بما استدق من خيوط الفأل بأن الشعر باق، وبأن الشعراء لا يزالون يتخندقون مع سلاحهم الوحيد القصيدة وهدفهم دائماً هو الحقيقة التي تقرب لنا إمكانية أن يكون الحب مشاعاً والعاطفة زاهية والأمل باق ما بقي الشعر في هذا المضمار المتوهج منذ عشرات القرون حيث تتولد القصيدة من الرؤية ويسكن الشعر قرائح الشعراء منذ بداية الخليقة وهذا ما سعت إليه نادية البوشي في ديوانها الذي سجل حضوره القوي كعنصر فريد للقصيدة التي تسعى إلى مجد الجمال وهذا ما ذهبت إليه بكل اقتدار.

***

إشارة:

فتنة البوح(ديوان شعري)

نادية البوشي

دار المفردات الرياض (ط1) 1430ه

تصميم الغلاف غيداء حويكم واللوحة للفنان محمد مظهر

يقع الديوان في نحو (126صفحة) من القطع المتوسط

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة