سنختلف كما اختلفوا؛ فليس «للثقافة» تعريف جامع مانع، وقد مال صاحبكم إلى الرأي الذي يقول: إنها مساءلة القيم ومحاكمتها والحكم من ثم على إمكان عيشها أو دفنها، وهو ما يعني نفي المفهوم المنتشر المؤطر بالمعلومة والمتعالمين.
بلمسة زر تستطيع أن تجيب عن كل الأسئلة، وسوف تستدعي مؤلف الكتاب وعاصمة الضباب ويتيمة الشعراء وحكايات الخلفاء والأولياء ؛ فلم نعد نستهلك زمنا في البحث والتطواف لمعرفة قائل أو مقول، والماضون في تحديد الثقافة بأنها الأخذ من كل علم بطرف، والمثقفين بحافظي الشعر وناثري المشاعر تائهون عن معادلة تبدل الأزمنة وإن بقيت الأمكنة.
توطئة مهمة كيلا نبقى أسرى معادلة «الشؤون الثقافية» «والأندية الأدبية» وكليات الآداب واللغة ومجامع التعريب وحتى «وزارة الثقافة» التي استسلمنا -في تحديد رسالتها- لنمطية الهوية؛ فباتت حكرا على المعنيين بالشعر والسرد والتأليف حولهما أو فيهما، وكان يمكن أن تتسع الدائرة فتشمل المشاركة في تأسيس وعي جديد، من أولياته «القطيعة الأبستمولوجية» كيلا نظل مرتهنين لفكر أو مفكر، وفيما لا يمس «الثوابت» المجمع عليها من الأمة كلها عبر النصوص القطعية دلالة وثبوتا.
وحين يصادفنا رجل أعمال، ويتصادف أن يكون مهندسا، ويتزامن معها أنه منشئ كليات ومعاهد وجامعات ومؤسسات وبعثات، ومتبني متفوقين وتنمية بشرية وسياحية وصحية ومواصلات، وداعم كراسي بحث بالجامعات، ومهتم بالتراث والتاريخ والعمران والأدب والفن في الجزيرة العربية؛ فلن نختبره في «ديك الجن» و»متجردة النابغة» و»إمتاع أبي حيان»، ويكفي أن يكون المهندس عبدالله أحمد سعيد بقشان.
ولد - قبل نصف قرن- في مكة المكرمة من أسرة نبيلة ذات مواقف مشرفة أيام توحيد الوطن في عهد التأسيس، وحين مر بفترات صعبة خلال الستينيات، وبقوا حيث هم؛ عطاء وبذلا: فلوالده وأعمامه تجار الأقمشة موقف وطني مع الملك عبدالعزيز وجيشه عندما دخلوا مكة المكرمة محرمين ، ولهم مثل ذلك مع الملك فيصل.
رأينا في جولة بحضرموت -مع النخبة الجميلة التي ضمت ثلة مثقفين ومسؤولين ورجال أعمال وإعلام وأكاديميين وأكاديميات- المشروعات «الثقافية» الرائدة التي تمتد لوطنه هنا ووطنه هناك؛ فمثلما أسس أول كرسي بحث أكاديمي في الجامعات السعودية قبل سنوات، وما يزال يدعمها، فإن (خيلة بقشان) في (وادي دوعن) مرتكز تنموي مبهر في بلدنا الجميل (حضرموت)، عدا اهتمامه بالثقافة وتقديره للأدباء من أبناء الوطن الأكبر وحرصه على إنشاء متحف لمقتنيات وتراث ابن جزيرة العرب علي أحمد باكثير.
قبل اثني عشر عاما (1419هـ) مول كرسيا للبحث في جامعته (البترول) بالظهران وما يزال، وأنفق على أبحاث فيها، وأنشأ عدة كراسي بجامعة الملك سعود ومول كرسيا في جامعة الملك عبدالعزيز وقرر -بالتعاون مع الشيخين العمودي وابن لادن- تمويلا سخيا لأوقاف جامعتي البترول والملك سعود؛ فامتد عطاؤه بحجم الوطن، وفاض خيره فعم أهله هنا وأهلنا هناك حتى صار اسمه رسما للإيثار ووسما للافتخار.
لو جمعنا بذله للجامعات الثلاث فقط (وهي لا تمثل سوى نسبة ضئيلة من إسهاماته) لدخلنا في رقم من ثلاثة أصفار، وتساءلوا عن بعض موسرينا الذين يزيد بعضهم عليه ثراءً، وأشيروا -بأصابعكم- إليهم، وسائلوهم إن كانوا ينطقون..؟!
عبدالله بقشان رجل له من الولاء لهذا الوطن ما يجعلك تشعر أنه يحتضن جزيرة العرب بأكملها.
سعيه مؤشر وعيه، وعطاؤه هو وفاؤه، وإذ نذكره نشكره؛ فدوره الثقافي كبير؛ ما فات وما هو آت، وتحية لشيخنا المضيء المحامي الدكتور عمر عبدالله با محسون الذي عرفنا به ولو لم نره.
الثقافة تغيير وتطوير
ibrturkia@gmail.com