Culture Magazine Thursday  22/04/2010 G Issue 307
فضاءات
الخميس 8 ,جمادى الاولى 1431   العدد  307
 
كلمات
خيوط القمر!
محمد بن أحمد الشدي

هذه تهويمة عابرة خطرت له حاول الكاتب وهو يتذكر ذلك الماضي السحيق سقط ذلك القلم الذي حاول ان يسجلها به فرك عينيه وكتب بيد مرتعشة الشمس بحيرة قانية عند الغيب والقافلة تسير بخطوات وئيدة عند منحني لأفق على أطراف الربع الخالي والجمال ترمي باعناقها إلى الزرقة حيث تغتسل بريح البحر والشيح والخزامي وعامر نبته من الاقحوان الغضة في غابة الاشجار المتشابكة يشعر بخطواته تروغ في الكثيب الرملي وتكاد تنفلت مفاصلة من وعورة المسالك ولفح الهجير محاولاً ان يحبس الألم المتمرد في اعماقه ويبدد احزانه القديمة يجب ان تشهد القافلة امام والده الكهل بان الولد عامر سر أبيه، وانه لابد ان يمحو اساءات أكثر من حبات الرمل كومها عليه أبن جلدته (بن هاشر) المتهور الذي قذف به إلى هذه الصحراء القاتلة.

تذكر قول زوجة أبيه هذا الولد فاشل لا يصلح لشيء أبداً فدارات به الأرض وقفزت إلى رأسه ذكرى تلك الحبيبة خالدة التي اختطفها الموت في ريعان الصبا ليكابد بعدها قسوة الحياة وفرت الدمعة من عينه شرارة من نار ولكن والده رد له الاعتبار حين قال: عامر رجل وسيسافر مع القافلة نيابة عني فهو سري الكبير وعندها صرخ رئيس القافلة بفزع: أيها الرجال خذوا أسلحتكم لقد داهمنا الغزو انهم قادمون كالجراد دافعوا عن أنفسكم وأرزاقكم وكرامتكم هذه هي الساعة التي تظهر فيها رجولة الرجال.

انتفض عامر وركض إلى حصانه واستل سيفه واصبح يقاتل في مقدمة حماة القافلة ولكن الكثرة غلبت الشجاعة ولما رأى رئيس القافلة ان معظم الرجال قد فروا ولم يبق سوى عامر يقاتل بشراسة وثبات صرخ: أهرب يا عامر!

لكن الفتى ظل يقاتل ببسالة وقتل وجرح عدداً من المهاجمين فأحاط به الفرسان من كل جانب وجرحوه جراحات بليغة وتمكن احدهم من زرع حربة في صدره فسقط على الأرض ولفظ أنفاسه وفر اللصوص بالغنائم والغنيمة الكبرى!!

عاد رئيس القافلة مع عدد من رجاله إلى المضارب عند ضحى اليوم التالي وعلم ابو عامر بالهزيمة فسأل أين عامر؟ قال له أحد الفارين عامر هرب! أجاب ابو عامر فوراً: عامر لم يهرب وقفز الرجل الكهل إلى ظهر جواده ولحق به بعض الفرسان إلى مسرح الموت.

قال الأب الكهل وهو ينزع الحربة من صدر ولده أرأيتم ان عامراً لم يهرب؟ هذا هو الموت العظيم! موت الرجال موت الصقور في كبد السماء! موت عامر الذي حلم يوماً بحصان من القمر شاهده يتجسد له في خيوط النور المنبعث من استادره القمر عبر قطع السحب المتناثرة فوق رأسه المتعب بهم الماضي والحاضر والمستقبل طافت خيالات كثيرة من حوله وتذكر جده جبر الذي بنا أسوار مدينته بيديه قبل ان يكتسحها الطوفان ليلاً بأهلها ونزلت على خده دمعه على وجنتيه وغاب الكهل صاحب الجود عن الجود!

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة