Culture Magazine Thursday  22/04/2010 G Issue 307
فضاءات
الخميس 8 ,جمادى الاولى 1431   العدد  307
 
ثقافة الانتخاب في دول الخليج العربية
د. يسرية آل جميل

الممارسة السياسية في دول الخليج.. ثقافة واعية قبل أن تكون ترفاً سياسياً، فكل التجارب الفعلية لهذه الممارسة بدأت بمستويات مُتدرجة في هرم تسلسل السلطة في المجتمع، ثم امتدت مع الوقت وثبوت نجاح التجربة إلى مستويات أعلى بلغت القُبة الاستشارية في الدول.

فكان التفاؤل بنجاح التجربة -الانتخاب- مرده النهج الواقعي لنظامنا السياسي، الذي يعكس مصداقية الأخذ بخيار المشاركة السياسية، كما أسس له الأبُ الرُوحي للديموقراطية في كُل دولة.

ذكَّرتني -لحظة كتابة هذا المقال- خلال فترة العملية الانتخابية في جمهورية السودان جُزءٍ من الصورة..التي تعلوها ضبابية أمام الناخب، الذي توجَّه يوم الاقتراع إلى الدوائر الانتخابية دون الإجابة عن الأسئلة المشروعة لثقافة الانتخاب، لمن، ولماذا؟

عندنا -في سلطنة عُمان- قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع في الفترة الانتخابية الأخيرة، تناقشتُ معَ نُخبة من المُختصين والمعنيين، حول الكثيرِ من الأسئلة المتعلقة بالإجراءات التطبيقية المُلازمة لعملية الانتخاب، إلا أن الاستفهام المُطلق كان يدور في فُلك تحديدِ العقد القانوني الذي يربط بين المرشَّح والناخِب..!!

إذ بدونَ شك علَّمت عملية الانتخابات المرشَّح فنون التسويق الجائزة له، كما علَّمت الناخبين (فنون حماية النفس من الضحك على الذقون)!!

وهذا يؤكد غالباً ثقافة التحليل والنقد، وهي ثقافةٌ نحتاجها ؛ لتنقلنا من ثقافة ال(الرفض والقبول) و(الأبيض والأسود).. إلى ثقافة سنن المدافعة والمداولة، وهذه سنن نحتاج إلى التمرس في بحورها لأزمانٍ طويلة؛ حتى نتحول مع ذلك إلى مجتمع يؤمن بأن على المصلح أن يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.

إن تجربة المشاركة السياسية.. طويلة ومُرهِقة، تأخذ من المجتمعات أجيالاً حتى تتم تنشئتها بنُضجٍ ووعيٍ على واجبات هذه المشاركة وحقوقها، قبل أن تتشكل لديها ممارسة صلبة وفاعلة ومثمرة.

كنت أفكر في عناصر النجاح للمرشح؟ والمعايير اللازم توفرها فيه؛ لانتخابهِ من قبل المُقترعِين؟

إذ غالباً ما يبدو للعَيان -إلى حدٍ ما- وضوح البعد القبَلي، ودوره الرئيس في دعم الحركة الانتخابية لفلان، والصد عنْ فُلان لأنه لا ينتمي إلى نفسِ القبيلة، حتى وإن كان الواقع يُرجِح كفته وكفايته.

البعد المادي يبدو حاضراً كذلك من قِبل البعضِ -للأسفِ-، فمع يقيننا بأن للمادة دوراً أساسياً في أي عملية انتخابية في العالم أجمع، لكننا مُجتمعات معروفٌ عنها التزامها بالأنظمةِ والضوابط. فلمَ تُغيَّب بعضها لدى فئة من المرشحين في ذلكَ التوقيتْ؟

وحقيقة أنا لا أستطيع الجَزْم القاطع بإلقاءِ اللومِ على السبَّاقين نحو الفوزِ بعُضويةِ المجلس، في انتهاجهم لأساليبَ وطرائق حادت -بعضَ الشيء- عن المشروع، وعن المُشَّرع به مِن قبل أولي الأمر، فهذا شرفٌ يتمنى كُل منا أن يحظى به، فمن يدري لعله إذا خضنا غمار تلك التجربة سنفعل كما يفعلون؟!

مَنحُ المرشحينَ فُرصة الإعلام عن أنفسهم لهذه الفترة، خُطوة مدروسة بحِنكة ودراية، وجديرةٌ بالتقدير والوقوفِ على أبعادها بصورة منطقية، فمن حقِ الناخب أن يعرف من ينتخب؟ ولماذا؟

إلا أن جانباً منها كشف أموراً أعادتنا إلى السؤال نَفسه: المعايير اللازم توافرها في كُلِ مُرشَّح للفوز باستحقاق -لا مجالَ للطعنِ فيه من بعدْ-.. بعُضوية مجلس الأمة، أو الشُورى أو الشعب.. في أي دولة.

ولا يعني ذلك أن نمنحَ نفسنا الحق في أن نُشكك بذلك في قُدرة المُنتخَبين غالباً على قيامهم بالمهام الموكلة إليهم.. إطلاقاً، فمواقعٌ كثيرةٌ في أرجاءِ الوطن، تشهدُ لهم ببذلهم لأقصى الجُهود الرامية إلى الوفاء لبلدانهم، وإلى كلِ صوتٍ مُنحوا إياه على أقلِ تقدير.

في تقديري إن التجارب الانتخابية التي تجري فوق أراضي دول الخليج حملت مؤشراً كبيراً يدل على نجاح الاستثمار في إنسان هذه البلاد. فكلما كانت التجربة إيجابية، فيعني ذلك أن مشروعات التنمية والاستثمار في المواطن الخليجي قد نجحت بكُل المقاييس.

إذ أن أصحاب القرارات السياسية، شيُوخنا، وحكَّمنا، وملوكنا وأصحاب الجلالة جميعهم -حفظهم الله ورعاهم- الذين أهدونا هذا العرس الديمقراطي، تركوا مساحة للمواطنين من خلال الانتخابات، لإدارة شؤونهم المحلية باختيارهم من بينِ أنفسهم، وهذه المساحة بمثابة امتحان كبير، دخله المواطنون، بعد عقود من التعليم والتدريب والتثقيف والابتعاث إلى الخارج، لرفع مستوى الوعي العام. والمنطق يقول في هكذا حالة..إننا إذا أحسنَّا الاختيار -الانتخاب بوَعي وموضوعية-، فهذا معناه أننا حققنا الهَدف..بنجاح.

dr.yusriya@al-jamil.com مسقط
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة