أسعدني زميلي الحبيب الدكتور عبدالعزيز السبيل بهديته القيمة، نسخة من كتابه (عروبة اليوم). استوقفني أول الأمر عنوان الكتاب، بحثت في محتويات الكتاب لعله عنوان مقالة هنا أو هناك؛ ولكني لم أجد، وقلت لعل المؤلف أراد أن يُقرأ الكتابُ كلُّه لتُعرف قصةُ العنوان، وذكرني هذا بالتمييز الذي منه تمييز ملفوظ، ومنه تمييز ملحوظ. والذي يقرأ العنوان الرديف للكتاب وهو (رؤى ثقافية) ربما يستشف منه أن هذه الرؤى تبين في مجملها تصور المؤلف لعروبة اليوم التي لعلها تختلف عن عروبة الأمس القريب أو البعيد. وحين قرأت عنوانات الرؤى التي وصفها بأنها متناثرة رأيتها تحتفي بالشخصية الحاضرة الفاعلة، فكان الحديث عن شخصية المكان بما يمثله من حدث ثقافي أو بُعد تاريخي، وكان الحديث عن أعلام كتبوا أسماءهم بخطوط من نور بما أثّروا في حياتنا الثقافية والعلمية وبما أثْروا تلك الحياة فسكنوها وإن فارقنا منهم من اختاره الله إلى جواره. كتب عن الأماكن بغداد والجزيرة العربية واليرموك وسوسة وألمانيا والجنادرية، وكتب عن الغذامي والحازمي والحميدين وغازي القصيبي وحمد الجاسر والأخضر الفاتح وعزيز ضياء وعبدالله عبدالجبار وفؤاد سزكين، وأبومدين وخيرية السقاف وعبدالعزيز بن باز ومحمد الدرة والجواهري ونزار. وإلى جانب هذه الرؤى المتعلقة بشخصية المكان أو الإنسان نجد رؤى لامست أهم قضايا الإنسان العربي فوجدنا الحديث عن الواقع الثقافي، وثقافتنا والعصر، والثقافة بين الإدارة والإعلام، والفعل الثقافي والسرد الشفوي، وإسلامية الأدب وإنسانية الإبداع، والأدب وآفاقه العالمية، والنشاط الثقافي والجمهور، وكتب عن أهمية المكتبة العامة وكتب عن الترجمة من حيث هي خيانة للنص، وكتب عن فكرة إنشاء مجمع للغة العربية في بلادنا، وعن المناهج وتعددية الآراء, ومجلس الشورى وعدوى الانتخاب، وعن المرأة والتحولات الاجتماعية، وعن العيد أوصل هو أم قطيعة، وعن 11سبتمبر.
قد يتوقف القارئ في بعض التفاصيل الدقيقة التي يصادفها في بعض المقالات، ولكن الأمر الجلي هو هذا الوضوح في الرؤية والطرح الصريح الذي لا يعرف الجمجمة ولا يلجأ إلى المواربة، وقد أعجبني رأيه في المجامع العربية وأن تعددها يعاند الغرض من المجمع نفسه، وأما ذهابه إلى أن رأي المجمع يحتاج إلى قرار سياسي فهو رأي صحيح إن كفل له النفاذ، ولكن من يتخذ القرار السياسي ونحن أمة لا يحكمها قرار واحد، بل إن القرار السياسي في البلد الواحد قد لا يكفل له النفاذ، وأعجبني ما كتبه عن الأدب الإسلامي. والكتاب مطبوع طباعة رائعة تخير لها أحسن ورق وأخرج إخراجًا يشد القارئ لقراءته، وهو بحق جدير بالقراءة التي أرجو أن تكون سمة لعروبة اليوم.
الرياض