معرض ذو فكرة جديدة يُقام في متحف البحرين الوطني، يحمل اسم (اللوحة المحدبة) للفنان الشيخ راشد آل خليفة صاحب الدور الكبير في الحركة التشكيلية البحرينية.
إذا كانت مجموعة من الأسماء الرائدة وضعت لبنات أولى من خلال تواجدها المبكر وقيام أو إنشاء جمعية البحرين للفن المعاصر فراشد آل خليفة استكمل الدور بتحديثها؛ ففي الثمانينيات شهدت البحرين قيام جمعية البحرين للفنون التشكيلية، وكان الشيخ راشد داعما رئيسيا لها، وظهر من خلالها العديد من الأسماء الشابة حينها، بل إنها كانت محط تجارب أخذت على عاتقها جانبا تحديثيا في حركة ذات صفة ريادية، كثير من مطروحاتها المبكرة ذات طابع تقليدي وضمن الاتجاهات الفنية الأكثر ميلا إلى نقل الواقع أو إلى اتجاه أحدث هو الانطباعية، بجانب ما ظهر من أعمال لبعض الفنانين، وكانت على الأغلب محاولة استلهام الموروث المحلي. وأتذكر وسط الثمانينيات، وتحديدا 1985، قيامنا (جماعة أصدقاء الفن التشكيلي الخليجي) بالعرض في قاعة الجمعية.
يأخذ معرض (اللوحة المحدبة) أهميته بالفكرة المستحدثة والإمكانات التي تهيأت لتحقيقها، كما أن الأعمال بحد ذاتها صيغة جديدة في تجربة الشيخ راشد، بل وعلى مستوى البحرين عامة؛ فالعنوان والأعمال الفنية المطروحة ليست تلك التي عرفناها للفنان أو عرفنا صيغتها إلا من عملين تقريبا حملا شيئا من ذلك.
تنطوي أعمال المعرض على توظيف جديد للخامة وللسطح ولعلاقة الإضاءة بالعرض في مجمله؛ فالأضواء الموجَّهة إلى عامة الأعمال تأخذنا إلى سينوغرافية مسرحية، هي هنا تخصيصية (تشكيلية)، تتكامل وتتبادل الموجودات فيها (الفكرة والدور)، اللوحة فيها لا تكتفي بمحمولاتها بقدر ما تسقطه أيضا الإضاءات وتمنحه للعمل، والأعمال لم تقم على تلك العلاقة المعروفة ما بين العنصر ومحيطه كما كان الفنان يرسم من قبل؛ فالحداثة هنا تأخذ شكلها على نحو مختلف حيث الخامة ببساطاتها والمعالجة بعفويتها، تعززها خبرات الفنان وإمكاناته، مكتفيا بالتعبير الآني الذي يرسم حالة معالجة خاصة، إنه يقترح جماليات تتحول إلى ذات الفنان وتعيده إلينا وفق الرؤية الجديدة وربما المفاهيم؛ فاللوحة ليست المعتادة (المعلقة)، إنما استحدثت طريقة عرض قد لا تكون جديدة إلا من خلال مكانها، أو حتى على مستوى المنطقة ذاتها؛ فاللوحة المحدبة قدمها الشيخ راشد خلال فترات سابقة وفق الفكرة الفنية الاعتيادية، وكان فنانون ناخرون طرحوا مثل ذلك إما بخامات مختلفة أو مستحدثة، وفيها صفة التأليف والبُعد عن قالب محدد نراه يسيطر على مجمل التجربة في تقاسيمها الفنية ومعالجاتها، ومع كل الاستحداثات التي يطرقها الفنان تبقى حالة فنية تتقاطع واللوحة الجديدة بخاماتها ومضامينها، هنا تتكثف العجائن وتبرز فيها الخامات وتتلون بألوان محدودة بعد الميل إلى تلوينات زاهية ومبهجة فيها الفرح والسعة والأبعاد ومواضيع ذات طابع فلكلوري شعبي أحيانا أو تمثيلي وفق تأثير انطباعي. الأعمال هنا تحمل جانبا تعبيريا يميل إلى المفهوم يؤكدها أو يشير إليها في دعوته تأملها من ناحية مختلفة «النظر ليس فقط إلى لوحاته إنما إلى المشاعر المختزنة والمختزلة فيها التي تصور نظرته الفنية اليوم إضافة إلى رؤيته للمستقبل».
اللوحة هنا قد لا تحتاج إلى تعليق؛ فهي تنتقل بحركتها وحيويتها الخاصة كما المنحوتة، لكن النحت هنا له صفته الحفرية على سطح رقيق وبألوان تتلاءم معه. ألوان واحدة على السطح الواحد مثلما يكون الأحمر لولا النتوءات التي تبعثها تلصيقات الأقمشة وبكثافة، أو المعاجين؛ وبالتالي ظلالها وانثناءاتها، وهي أشبه بالتسييل وإن كثفها لتأخذ شكل البروز والحفر والثبات أيضا، ونحن هنا أمام أكثر من خامة اشتغل عليها الفنان حيث الألمنيوم أو القماش وربما غيرهما.
أعمال أخرى يعالجها الزيتي وفق تراكمات اللون وطبقاته، هناك الحك والكشط واللمسة الخاطفة، ومع أن معظم الأعمال تتخذ مسارا راسيا حيث التكوين والتشكيل، إلا أن الخامة في واحدة من الأعمال الأكبر مساحة (50، 440 في 186سم) غيّرت إلى منحى آخر ربما يكون منعطفًا في تحولات تجربة الفنان كما هو هذا المعرض.
aalsoliman@hotmail.com
الدمام