Culture Magazine Thursday  14/10/2010 G Issue 319
فضاءات
الخميس 6 ,ذو القعدة 1431   العدد  319
 
جائزة نوبل.. والثقافة العربية
«لم ينجح أحد»!
سهام القحطاني

اعتاد المشهد الثقافي العربي قبل إعلان جائزة نوبل للأدب أن يرشح أسماء لبعض المثقفين، يرى ذلك المشهد أنهم يستحقون جائزة نوبل، مثقفون لا يعرفهم سوى نخبة النخبة الثقافية، وبعد إعلان الجائزة يمضي المثقفون العرب في صمت يحملون فوق ظهورهم وهم المؤامرة، وبصرف النظر عن حكاية «المؤامرة» أو بالإضافة إلى نظرية المؤامرة، لماذا تغيب الثقافة العربية عن جائزة نوبل؟.

وحسبما أعتقد فهناك جملة من الأسباب التي يمكننا اعتبارها مُشكلاً لأزمة التجربة الثقافية العربية على مستوى الجوائز العالمية وفق أولويات البداهة والنشأة.

منها ما يعود إلى طبيعة التجربة الثقافية العربية، وإلى مؤهلات المثقف العربي وطريقة تفكيره وطبيعة جهده النضالي، وإلى الطريقة الهمجية التي تتعامل من خلالها التجربة الثقافية العربية مع مفاهيم مثل الحرية والجرأة والجنس والدين والتمرد والثورة والإصلاح والتنوير والتغير والتغيير، وإلى الضغوط الرقابية السياسية والدينية والاجتماعية التي تتعرض لها التجربة الثقافية العربية أثناء الإنجاز، وأخيراً إلى مسئولية «دور النشر» العربية في المساهمة في صناعة التجربة الثقافية العربية التي ترقى لمستوى الجوائز العالمية، أو صناعة «التجربة الثقافية العربية النموذجية».

وعلى مستوى طبيعة التجربة الثقافية العربية التي يمكن تقسيمها تجربة ثقافية فكرية وتجربة ثقافية إبداعيّة، وإن كانت التجربة الأولى اعتمدت على تفكيك العقل المعرفي التراثي والعصري وإعادة صياغة المراجعات الفكرية، فالتجربة الثانية غرقت في الكشف الفضائحي للمجتمع العربي، وإن كانت الأولى ترتفع نحو النخبوية فالثانية تهبط نحو الإثارة، كما أن الثانية لم تستفد من جدولة المراجعات الفكرية، فالأولى لم تستفد أيضا من تطبيقات الثانية، فأفقد الثانية فكريتها، وأفقد الأولى واقعيتها، مما جعلهما جزءاً من العقل الترفيهي التسلويّ العربي، وهو ما أفقد التجربة الثقافية العربية بنوعيها جديتها على قيادة الإصلاح الاجتماعي والديني والسياسي.

وعلى مستوى المثقف العربي سنلاحظ أن المثقف العربي له حساباته الثقافية الخاصة التي تنطلق من مصفوفات قلما يدرك قاعدتها البيانية الجمهور فغالباً ما تستغلق معادلات على أفهام الشعوب العربية، حتى تظن أن المثقف العربي يتحدث عن مجتمعات أخرى غير المجتمعات العربية، ولعل تلك الحسابات الثقافية بمصفوفاتها المستغلقة على الأفهام هي التي طبعت تفكير المثقف العربي بأحادية الفكر ودكتاتورية الرؤية، وشطحت به ليتوهم بأنه صاحب وصية وعصمة، وهذا الوهم هو الذي حول بعض المثقفين العرب إلى كائنات متطرفة، يمارسون الألوهية فجة على الجمهور العربي، يقيمون لهم أصناماً للتعبد ويحطون أُخر، حتى فقد المثقف شعبيته الاجتماعية وثقة الجمهور في سلامة وصلاحية أفكاره الثقافية.

لقد انشغل المثقف العربي بما يجلب له الإثارة والثروة عن إنجاز أي مشروع ثقافي إصلاحي تنويري، بحجة أن المرحلة هي مرحلة الفضح والتشريح والتنابز بالألقاب، وهي مرحلة كشف لخلايا المجتمع الفاسدة لا بد من اكتمالها وهي مرحلة ملزمة لكل مثقف للتمهيد للمشروع الثقافي التنويري، وحسبما أعتقد أن مشكلة المثقف العربي ها هنا ليست مع مراحل تفكيك العقل الاجتماعي العربي، بل مشكلته مع ذاته؛ مع تحديد دوره ومسئوليته الثقافيتين في المنظومة التطويرية للمجتمع، فالمثقف العربي اليوم لدينا أصبح يسعى لتمثيل كل الأدوار والمسئوليات عبر الاستعارات التصريحية والمكنية؛ بدءا من استعارة مسئولية رجل الدين وصولاً إلى استعارة مسئولية صانع القرار السياسي، صحيح أن المثقف العربي يجب أن يكون مساهماً مؤثِراً في صناعة القرار الإصلاحي والتنويري للمجتمع، لكن على ألا يكون هو المتحكم بمفرده في ذلك التأثير، فهو شريك في منظومة متناسقة من الشركات، وليس منظومة مستقلة، وهذا ما لا يفرق بينهما المثقف العربي، أن يكون فاعلاً بدلاً من أن يكون إلهاً، فالإله لا يملك قدرة التغير والتغيير، بل الفاعل هو الذي يملك هذه القدرة، والمثقف العربي يسعى أن يكون إلهاً بدلاً من أن يكون فاعلاً ففقد قدرته على إثارة التغير والتغيير، أو أحسب ذلك.

حتى بدأنا نشك في أن المثقف العربي يملك إستراتيجية إيمانية توجه دوره ومسئوليته كفاعل مؤثر ضمن نصاب الكفاية.

وعلى مستوى طبيعة المفاهيم التي تقدمها التجربة الثقافية العربية، فالتجربة الثقافية العربية كونها أبويّة المنشأ تجد صعوبة في تقديم «وعي حضاري» للمفاهيم التي تقدمها مثل الحرية والثورة والإصلاح والتنوير وحقوق المرأة والعدالة، فالمثقف العربي هو إنتاج بيئته التي تتصف بالأبوية والتمييز العنصري والرأسمالية الحقوقية والاضطهاد الفكري، ولذلك يصبح غير مؤهل لتقديم الحدود الإصلاحية والتنويرية لمفاهيم النهضة والمجتمع المدني، ولذلك فالتجربة الثقافية تقدم المفاهيم المدنية وفق عبثية عارمة تخلط الحرية بالانحلال والتغيير بالعنف والخصوصية بالذوبان في قاع الكأس، وتلك العبثية تربك وعي وسلوك الجمهور، وبالتالي تفقد التجربة الثقافية أهميتها في تطوير السلوك والوعي الحضاريين للجمهور، وتحول الفوضى الخلاقة إلى عشوائيات تزيد تخلف المجتمع.

وقد يرى البعض من المدافعين عن المثقف العربي والتجربة الثقافية أن ضغوط الرقيب العربي هي المسئولة عن هشاشة وسذاجة التجربة الثقافية، وهي المسئولة عن الانحراف الثقافي للمثقف الناتج عن فوضى الإثارة ومجانية الفضائحية، وأن المثقف العربي لن يتمكن من إنجاز تجربة ثقافية إصلاحية إلا في ضوء إلغاء الرقيب العربي، فالإصلاح الثقافي لن يتحقق إلا إذا تحولت سلطة الرقيب العربي إلى المثقف العربي، لكن المراهنة على الفاعلية الإصلاحية للمثقف العربي الذي ينوب عن سلطة الرقيب غير مضمونة في ضوء غياب إستراتيجية إيمانية لدور المثقف ومسئوليته، وسعيه ليصبح سلطة تنفيذ لا تغيير، وفي ضوء المغريات المادية التي قد يتعرض لها المثقف للتنازل عن ضميره الثقافي سعياً للسلامة أو لتوفير لقمة العيش، أو في ضوء القمع والاضطهاد الفكري الذي قد يتعرض لهما بعض المثقفين العرب، فالرقيب ليس مأزقاً لوجود المثقف الإصلاحي كما أنه ليس مأزقاً لإنتاج التجربة الثقافية الإصلاحية، فلا أحد مهما امتلك من سلطان يستطيع أن يغطي الشمس.

وعلى مستوى «دور النشر» العربية، فيجب عليها أن تسعى إلى تبني الأفكار الثقافية الإصلاحية، وصناعة التجربة الثقافية العربية الإصلاحية النموذجية، وأن تكون لها مجهوداتها الإعلامية لنشر الثقافة العربية عالمياً، عن طريق مشاركة دور النشر العربية في فتح قناة فضائية مخصصة لعولمة التجربة الثقافية العربية الجادة والتنويرية وتقديم قراءات عنها باللغة الإنجليزية والفرنسية، بدلاً من الاكتفاء بإغراق الأسواق الثقافية العربية بأدب الفضائح.

جدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة