Culture Magazine Thursday  14/10/2010 G Issue 319
فضاءات
الخميس 6 ,ذو القعدة 1431   العدد  319
 
مُعجَمُ (الربداوي).. صَيحةٌ في واد!(1-2)
عمر بن عبد العزيز المحمود

تعد (المصطلحات) المفاتيح الكبرى للولوج في فضاءات أي (علم)، فبإتقانها ومعالجة (المشكلات) التي تعترض لها تُحلُّ كثير من (الإشكاليات)، وتزول العديد من (العقبات)، وكنتُ قد تحدثتُ في المقالات الثلاثة السابقة عن تلك (الأهمية) التي يحتلها (المصطلح) في حياة أي (علم)، وكان الحديث خاصاً ب(المصطلح النقدي) بشقيه: (القديم) و(الحديث)، و(المشكلات) الكبرى التي تعترض طريق هذا النوع من (المصطلحات)، ودعوتُ إلى بذل مزيد من (الجهد) لإنقاذ (المصطلح النقدي) منها. وسأحاول في هذا المقال أن أعرض لكتاب يعد من أبرز (المنجزات التأليفية) التي أدركت حجم هذه (المشكلات)، وآمنت بأهمية (المصطلح) في سياق الدراسات (النقدية) و(الأدبية)، وحاولت أن تؤسس ل(معجم مصطلحي) متكامل يتناول ب(التعريف) و(التوثيق) و(التفصيل) المصطلحات (النقدية) و(الأدبية) -بما فيها (الأجنبية الدخيلة)- في تراثنا (النقدي)، مما يشعرنا -ونحن لما نزل في العتبات الأولى- أننا إزاء عمل (موسوعي) جدير بالعرض والمتابعة.

تعريف إجرائي:

- اسم الكتاب: معجم المصطلحات النقدية والأدبية والمصطلحات الفارسية واليونانية الدخيلة في التراث العربي: تعريف - توثيق - تفصيل.

- اسم المؤلف: د. محمود الربداوي.

- الناشر: اتحاد كتاب العرب (سلسلة المصطلحات النقدية 2)، سوريا، دمشق، الطبعة الأولى، 1420هـ/1999م.

يُعد هذا (الكتاب) من أضخم الكتب وأحدث المؤلفات التي صُنفت في الكشف عن أبرز (مصطلحات) (النقد القديم) في (التراث العربي)، ومؤلفه واحد من أهم الأعلام الذين لهم باع طويل في الاعتناء ب(المصطلحات النقدية)، فقد شغلت قضية المصطلح الدكتور (محمود الربداوي) فترة من الزمن ليست بالقصيرة، فكرس لها جهده الذي أثمر عن عدد من المؤلفات القيمة في هذا المجال.

يقع هذا (الكتاب) في (825) صفحة من (القطع الكبير)، وتنتظم صفحاته عدداً كبيراً من المصطلحات (النقدية) و(الأدبية) التراثية ناهزت (523) مصطلحا، ورغبةً من المؤلف في نوع من (التبويب) و(التنظيم) فقد رتب تلك (المصطلحات) ترتيباً ألف بائيا، فأفرد لكل حرف من حروف الهجاء فصلاً خاصاً به، مما يسهل مهمة الباحث في الوصول السريع والميسر للمصطلح المراد بحثه. ولم يكتف المؤلف بذلك، بل ذيَّل كتابه ب(فهرس) خاص ب(المصطلحات) وفق الترتيب الألف بائي الذي أشرت إليه سابقا، وقبل هذا الفهرس ثمة (مسرد للمصادر والمراجع) التي اعتمد عليها المؤلف، وقد تجاوزت المائتين.

عرض الكتاب:

(الكتاب) مبدوء ب(مقدمة) ثرية وغنية استأثرت بقرابة (15) صفحة، وفيها أبان المؤلف عن نواحٍ (منهجية) متعددة؛ فذكر (سبب تأليفه للكتاب)، وأضاء (أبعاد المعجم)، مُحدِّداً (إطاره العام)، فنصَّ على استبعاد (المصطلح البلاغي الصرف)، و(المصطلح النقدي والأدبي الحديث) مُرجِعاً ذلك إلى أنها قد خُدمت في كثير من (المعاجم)، كما أنَّ أكثرها مستورد من (الآداب الأجنبية)، ومتلبس بلبوس (الترجمة) أو (التعريب).

ورغبةً من المؤلف في إسباغ نوعٍ من (المنهجية العلمية) على كتابه فقد شرع في تحديد مفهوم (المصطلح) في المقدمة، وعالجه على مستوى (لغوي)، ثم تتبعه (تاريخياً) و(معرفياً) حتى وصل إلى الإشارة إلى (علم المصطلح) الذي نشأ في العصر الحديث، مُفرِّقاً بينه وبين (العلم) الذي اشتغل عليه وأبدع فيه علماء (الحديث) قديما، وارتاح المؤلف إلى تعريف (علم المصطلح) بأنه: ((العلم الذي يبحث في العلاقة بين المفاهيم العلمية والمصطلحات اللغوية التي تعبر عنها)). ومن الفوائد الثرية في مقدمة (الربداوي) حديثه العلمي المركز عن (دلالة المصطلح) لحظة (النشوء) وأثناء (التطور)؛ إذ لاحظ من خلال (استقرائه) للمصطلحات أنَّ (دلالتها) تمر بثلاث مراحل متلاحقة ومتداخلة:

الأولى/ (الدلالة اللغوية).

الثانية/ (الدلالة المجازية).

الثالثة/ (الدلالة الاصطلاحية).

وحديثه في هذا السياق كان معمقاً ومثريا؛ إذ ربط (نشوء) كثير من المصطلحات (الأدبية) و(النقدية) التراثية ب(حياة الإنسان العربي القديم)، بما فيها من (معطيات) اشتق منها تلك (المصطلحات)، وعدَّ (الربداوي) هذا أمراً طبيعياً في مرحلة ما أسماه (ولادة المصطلح النقدي)؛ ذلك أنَّ (نقاد العصر) لم يصلوا بعد إلى مرحلة (التجريد الذهني) في (صناعة المصطلح)، وما زالوا في مرحلة (الانكفاء) على (المعاني المحسوسة).

وكلامه هنا يبدو دقيقا؛ إذ اقتضت طبيعة (نشوء) الأشياء ارتباطها ب(المحسوسات) أولا، ثم تنتقل بعد ذلك إلى (التجريد الذهني) لتصل إلى مرحلة (الدلالة المجازية) قبل أن يصل (المصطلح) إلى مرحلة النضج والاكتمال، وهي المرحلة التي عبَّر عنها (الربداوي) ب(الدلالة الاصطلاحية).

واللافت في (مقدمة الربداوي) استعراضه (للعصور الأدبية) متتبعاً في سياق ذلك رحلة (المصطلح) (النقدي) و(ا لأدبي) منذ الطفولة إلى النضج، وقد توقف عند عصر (صدر الإسلام) وقفة ربما تكون مثار خلاف، إذ يرى (الربداوي) أنَّ (المصطلح النقدي) انحسر مَدُّه في ذلك العصر نظراً -والكلام للمؤلف- لتراجع (الشعر) نفسه؛ لانشغال الناس بالجهاد والفتوحات.

ومن عصر (صدر الإسلام) انتقل المؤلف إلى (العصر الأموي) الذي بدأت فيه رحلة المصطلح تنشط في (بداياته) وتنضج في (نهاياته) مع (عصر التدوين) الذي ابتدأ مع نهاية (العصر الأموي) ونشط بشكل لافت في (العصر العباسي)، وقد أفاض المؤلف في عرض (دراسات) جادة في (علم المصطلحات) العامة ألفت في أواخر (القرن الثاني) الهجري، وأشار إشارةً دقيقة إلى أنَّ تلك (المصطلحات) بدأت تأخذ طريقها إلى (العلوم المتخصصة) كعلوم الأدب والنحو والعروض وغيرها. ولم يقف (الربداوي) طويلاً عند (الساحة الفكرية) ودورها في إثراء حركة (المصطلح)، فأشار إشارةً عابرةً إلى دور (المعتزلة) و(جرأتهم) -على حد تعبيره- على وضع (المصطلح)، وقد استشهد ب(الجاحظ) الذي أحصى أحد الباحثين في كتابه (البيان والتبيين) وحده (144) مصطلحاً (بلاغيا) و(نقديا)، كما أفرد المؤلف حديثاً عن جهد اثنين من كبار (النقاد) الذين اشتغلوا ب(المصطلح النقدي) في فترة مبكرة وهما (ابن المعتز) و(قدامة بن جعفر). كما ناقش (الربداوي) المقولة الذائعة (لا مشاحة في الاصطلاح)، وهي عبارةٌ حساسةٌ وخطيرةٌ ولها أثرٌ في تحول (مفهوم المصطلح)، وقد ناقشه المؤلف منطلقاً من جهد (حازم القرطاجني) ونفرٍ من (النقاد المغاربة) الذين اخترعوا (مصطلحات) جديدة، وتوخوا لها (السيرورة) و(الذيوع)، بيد أنها لم تذع ولم تسر عند (المشارقة).

إنَّ عبارة (لا مشاحة في الاصطلاح) قد أسهمت بنوع من (الفوضوية الاصطلاحية) تجلت في مظاهر رصدها المؤلف منها: (تعدد المصطلحات) للدلالة على (مفهوم واحد)، و(تعدد المفهومات) (للمصطلح الواحد)، وقد توقف المؤلف في مقدمته عند أثر (الترجمة) في المصطلح (النقدي) و(الأدبي)، وتحديداً الأثر (اليوناني) الممثل في كتابي (الخطابة) و(الشعر) لأرسطو، لكنه أكَّد أنَّ هذا الأثر كان (باهتاً) و(غير مؤثر)، ف((المصطلحات النقدية وُلدت ونشأت عربية، وما الأثر الأجنبي عليها إلا أثرٌ طفيف)). وبعد هذه المقدمة (العلمية) و(التاريخية) الثرية انتقل المؤلف إلى الإضاءة (المنهجية) لمنجزه، فألزم نفسه ب(قواعد عامة) في (صياغة المصطلح)، ذكر منها (إحدى عشرة) قاعدة جعلها العماد الذي يتكئ عليه في (صياغته للمصطلح)، ثم بين (منهج العمل) في هذا (المعجم) بالتفصيل خاتماً به هذه المقدمة القيمة.

Omar1401@gmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة