Culture Magazine Thursday  18/06/2009 G Issue 288
أفق
الخميس 25 ,جمادى الآخر 1430   العدد  288
مقاربة
في قصص (أم الشوك) لصالح الصقعبي:
هجس أليم ونهايات مشحونة بوعي الإشارة والإيماء
عبدالحفيظ الشمري

 

(أم الشوك) مجموعة قصصية للأديب والكاتب صالح الصقعبي، تنحو في مجملها صوب جملة من النتائج والرغبات والمسارب الفنية والتذوقية، فالقصص عمدت إلى استنطاق مكنون الحكاية، ومن ثم صياغتها بشكل سردي رشيق، حقق للفن القصصي مقوماته وعناصره التي تنطلق عادة من قدرة الكاتب الصقعبي، على تحديد رؤية الوعي المتمثلة في الأسباب والنتائج الممكنة لحظة الفراغ من قراءة هذه القصص واحدة تلو الأخرى.

عني الصقعبي في مجموعته (أم الشوك) بتدوين حكاية الحالة الإنسانية لاسيما الأليمة .. تلك التي تنهل من معين التجربة الشاقة، حيث نتعلّم منها أنّ الحياة ليست إضمامة ورد، أو مال أو أحلام منمقة، بل فيها أشواك العناء، وفاقة المشاعر والعوز والألم، وهذا ما تشي فيه تفاصيل القصص في هذه المجموعة.

الحالة الإنسانية النموذج في سياق القصص هي القصة الأولى (خيوط النور)، حيث يشرع الكاتب الصقعبي في تطبيق مفهوم المحاولة الجادة لبناء جسور الأمل، حيث نراه وقد برع في صياغة لغة القص التي تستبطن حالة يعشقها ويتلذّذ في العيش من أجلها .. تلك المتمثلة في صياغة مفهوم جديد للأمل في ظل غياب هذا الزخم الإنساني الجميل.

تتساوق القصص في المجموعة على هذا النحو الاستقصائي لأدق تفاصيل الحياة الأليمة كهواجس (الراوي البطل) الذي يحشد لآلامه كل التفاصيل المؤثرة في صيغ واقعية جداً، تستخلص منها أنّ الإنسان لا يحتاج إلاّ لمجرّد التذكير، لأنه يمتلك الحقيقة لكنه يحتاج إلى من يذكره فقط على نحو قصة (نهاية رجل).

في القصص تكون الفكرة واضحة، ومحددة المعالم كما في قصة (هل نسيت؟!) إلاّ أنّ الكاتب برع في تأصيل الخطاب ومد جذور اللغة الجميلة والزاهية في خصوبة أرض السرد .. تلك التي تستدرج صيغ الحب والتسامي في فضاءات العالم الريفي، فاللغة هي المحفز الجمالي للقراءة، وتذوق المعاني العذبة التي يصوغها الصقعبي إيماناً منه بأهمية أن يكون لكل معاناة بعدها الجمالي على نحو الراعي وزميلته في المهنة في هذه القصة المتكاملة العناصر في حضور الفكرة، وبروز عنصري الزمان والمكان وتكامل اللغة ونضجها، حيث يجد القارئ لمثل هذه القصص المتعة، والفائدة، لتحقق القصة أيضاً أبعادها الفنية، ومراميها الوجدانية.

في قصة (أم الشوك) التي حملت اسم المجموعة تتضافر الجهود السردية، وتتكامل العناصر الفنية لبناء مقاربة وجدانية وعقلية نابهة تحقق فرضية المتعة والجمال، فالمرأة التي انبرت لهذا الدور جاءت بأولى اللواعج المتكللة بالفقد والعذاب، وغياب الحقيقة.

(أم الشوك) المرأة التي باتت تدور حولها الشبه، والشكوك، والأحاديث المجانية، ما هي إلاّ نموذج واقعي لما قد تؤول إليه الحكاية في حياتنا، وما ترسمه الانطباعات من معاني النفور في أرواحنا لمجرّد أن يقيم بيننا أي غريب نجهل تفاصيل حياته.

فالقصة لم تنته فصولها رغم خاتمة الراوي لتفاصيلها لتبرز في هذا السياق لوعة النهاية حينما تبدلت مسحة الرؤية للظالم، والمؤذي على نحو أم الشوك، فأهل الحي وبعد عقود من الترويض رضخوا للأمر الواقع وقبلوا بأم الشوك أن تكون شريكاً نافذاً في الحي .. حتى أنها غيرت اسمها، وهيئتها، بل بات أهل الحي يرون قبحها جمالاً وهذا هو الأمر المفزع، حتى أن القصة لا تخلو من إسقاط سياسي يرى رأي العين، ولا يحتاج إلى تخمين أو حدس، إنما إلى وعي كامل بمفردة هذا الخطاب الإسقاطي المهم في حياتنا.

تتساوق القصص، وتتراسل اللغة الحميمة، وتحافظ المجموعة على انثيالاتها الوجدانية، لتبني في الذهن خطاباً مستنيراً، وتحقق للذائقة أعز ما تبحث عنه وهو المتعة والفائدة لحظة الفراغ من أي نص من نصوص هذه المجموعة التي برع القاص صالح الصقعبي في حشدها، وتوثيقها، وتقديمها للقارئ بشكل شيق.

* * *

إشارة:

*أم الشوك (قصص)

*صالح الصقعبي

*مكتبة الناشرون القاهرة 2009م

*تقع المجموعة في نحو (100 صفحة) من القطع المتوسط

*لوحة الغلاف والرسوم الداخلية للفنانة جيهان


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة