Culture Magazine Monday  12/01/2009 G Issue 266
فضاءات
الأثنين 15 ,محرم 1430   العدد  266
أصابع...!
أولاد أحمد

 

(1)

نحن لا نريد أن يفهمنا أحد. سواء أكتبنا بوضوح أم بغموض. لا نرغب في ذلك أصلا. الذي لم يفهمنا في الثمانينات لا يقدر على فهمنا في التّسعينات. الذي لم يفهمنا في التسعينات لن يفهمنا في مطلع الألفيّة الثالثة.

فقط، نكتب حتى نشغل أصابعنا بالكتابة. الأصابع، على فكرة، كلبة بنت كلب، فهي قادرة على الاشتغال بأمور أكثر خطورة من الكتابة. بإمكانها مثل أن تطلق النّار على الغزلان البرية والثيران الهائجة. وبإمكانها كذلك أن تقطع الأصابع التي تكتب.

اقرأوا ولا تفهموا.. إذن!

فليس هناك قانون يجبركم على استخراج المعاني من الألفاظ. هكذا تكونون أحرارا..

أحرارا في العودة إلى ما قبل الكتابة المسمارية!

(2)

في مثل حالتنا نحن العرب حيث تروج مفردات:

- الرقابة

- الرقابة الذاتية

- الخوف

أكثر ممّا تروج مفردات:

- الحرية

- الكتابة

- الإبداع

يصبح مطلوبا من القارئ أن يفقأ عينيه وأن يتحول إلى كاتب.

أي أن يجتهد في إيجاد جميع الألفاظ والمعاني التي حذفتها الرقابة والرقابة الذاتية والخوف، من النص المنشور.

وأن يجتهد أيضاً في إيجاد المفردات والمعاني الأصلية التي استبدلتها الرقابة بمفردات ومعاني أخرى لا علاقة لها بالأولى!

(3)

تزوير التاريخ يبدأ - دائماً - من حرمان الأزمنة الحاضرة من حق الكتابة وحرية التعبير وما يترتب عن هذين الحقّين - إذا وجدا - من حقوق وواجبات تؤمّن المواطنة الفعلية التي هي حجر الزاوية في نظرية الحداثة عموما، وفي الفكر الديمقراطي بالتحديد.

نتيجة لهذا التزوير يكثر الهمس في الأركان المعتّمة، ويتفاقم الشك والارتياب، ولا يعود أحد يثق في أحد. وهكذا تتدحرج الدول من (عصر التعب) إلى (عصر الحطب) على حدّ تعبير العلاّمة ابن خلدون.

فهل نستطيع أن نسمّي:

- الرقابة

- والرقابة الذاتية

- والخوف

وما ينتج عنها وفي جميع المجالات من:

- همس

- وارتياب

- وشكّ

- وعدم ثقة متبادلة

هل نستطيع أن نسمّي كلّ ذلك أمنا واستقرارا (تحسدنا عليه الأمم)؟

- قطعا.. لا

(4)

لا أحد من المنظرين، والمفكرين، والمثقفين، والمتحزبين الجدد، الطارئين حديثا على السلطة، لا أحد من هؤلاء يجهل أن الاستقرار هو المفهوم الأشدّ تناقضا مع مفهوم الحرية.. خصوصا إذا كان هذا المبدأ حديث العهد ولا يزال يقوم على نفس الثوابت التي كان من المفروض أن يغيّرها، ومع ذلك فإن هذه الطبقة من أصحاب العقول المتعلّمة خارج اللّحظتين القومية والتاريخية لا تزال تجتهد في تشويش سلّم الأولويات العاجلة المتمثلة في:

- إطلاق الحريات الفردية والعامة

- تدعيم العدالة الاجتماعية

- تدعيم مؤسّسات المجتمع المدني

بمسائل جانبية تقوم على طروحات خاطئة وخبيثة من نوع:

- الحوار مع الظلاميين المعتدلين

- ارجاء المشاركة في السلطة، إلى حين بلوغ الشعب (سنّ الرشد)!

- حصر حركية المجتمع في قطبين لا ثالث لهما: الحزب الحاكم والمعارضة الدينية.

(5)

حين نتأمّل الخريطة الثقافية لبعض الأفراد والجماعات نجد أن أصحاب هذه العقول المصنوعة خارج اللحظتين القومية والتاريخية، نجحوا خلال السنوات الماضية، في إفراغ الخطاب الفكري والثقافي والسياسي من كلّ محتوى، طبقا لما تمليه تعليمات العولمة بصيغتها الأمريكية.

ولما كانت المهمّات الموكلة إليهم لا تحتمل تباطؤا في التطبيق، فقد شرعوا مبكّرا في ضرب أصحاب الرأي الحرّ المعارضين لهم في الفكر والتوجه، فوجد هؤلاء الأخيرون أنفسهم أمام خيارات كلّها مأساوية:

- السجن

- الطرد من العمل

- التقاعد المبكّر

- التهميش

وحلّ محلّهم الخدم الطيّعون ممّن يجهلون لغة البلاد: أدبا وتاريخا وحضارة وطموحا.

(6)

المطلوب إذن:

تغيير هذه الأصابع.. قبل فوات الأوان.

تونس

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة