Culture Magazine Monday  12/01/2009 G Issue 266
أفق
الأثنين 15 ,محرم 1430   العدد  266
مقاربة..... عبدالحفيظ الشمري
سلوى أبو مدين في ديوانها الجديد:
(وجه لم يقرأه أحد) شعر ينهل من معين الشجن

 

الشاعرة سلوى أبو مدين تطل على القارئ من خلال ديوانها الجديد (وجه لم يقرأه أحد)، فمن هذه الشرفة الشعرية تضوع القصائد المعبأة بالوجد، والناهلة دوماً من معين شجن آسر يتكون في أعماق الشاعرة التي تدرك أن الحلم هو الحصان الأبيض، أو الوردي.. ذلك الذي قد نخب فوق صهوته إلى مجد ألقنا، ووعدنا الذي طال انتظاره، إلا أن الشعر حري به أن يبلل قلوبنا بفأل الوصول إلى دهشتنا البعيدة هناك.

قصائد ديوان سلوى أبو مدين تراوح بين حالتين متناقضتين هما (الفرح، والحزن)، إلا أن استدراجها لصور الفرح تكمن فيما تختزنه ذاكرة الطفولة على نحو قصيدة (كواليس) حيث استهلت فيها الشاعرة سلوى قصائد ديوانها، فكانت هي الفاتحة الأولى للشجن الذي يراوح بينما هو جميل مبهج يعكس الفرح، ومما هو من قبيل الألم الذي يعكس حالة الحزن التي توردها الشاعرة على نحو قصيدتها (ذات خوف) حينما بنت لنا ومن خلال وجلها لوحة معتمة، لتصوغ لنا مفردات اليأس على نحو:

(تحت ليل خريف

حار ينفض رماده..

يلمس تجاعيد الليل

يحشو فمه بالصراخ

يذرف دموعه

الجافة

لا مكان له هنا)

فعلى هذا المنوال يسير قاموس المفردات الحزينة في رحلة الشاعرة وقصيدتها مع الألم والحزن، إذ لم تترك سلوى أبو مدين أي شاردة من الحزن، أو واردة منه إلا استقطبتها واستمالتها لتأخذ هذا البعد الإيمائي لحالة الحزن المصطفاة لدى الشاعرة.

تعرض الشاعرة ومن خلال ديوانها الجديد بكل ما ترى أنه واقع يحتاج إلى كشف، وتعرية لما قد تؤول إليه حالة التأمل والاسترجاع لآلام لا نقول عنها غابرة، إنما هي كحجر غطاه الرماد، فلا مشاحة أن تعيد الشاعرة ترتيب حكاية الألم شعراً على نحو قصيدة (ماسح الأحذية)، فليس أولى بالحزن من طفل ينكب على الأحذية وكأنه يوشوشها عن سر أحزانه ولواعجه.

لا تجد الشاعرة من خلال هذا الديوان - على وجه التحديد - أي صعوبة في اقتفاء حساسية الخطاب الإنساني، حيث تعنى في رسم وتفصيل معالم العديد من المواقف المؤثرة، والصور المعبرة لتلتقطها الشاعرة على نحو لحظات فاصلة وحاسمة بين الواقع الذي يكتبه المطر وبين الخيال الذي تنشده الشاعرة، فكلاهما يتمحوران في مقطوعة خالدة خلود المطر والمساء في أفق مدينة تعرف عن سحبها أكثر مما تعرف عن أهلها، فهي التي توقظ الحزن الخابئ في قلوب الشعراء الذين يحاول كثيراً صنع الحياة على هيئة حلم جميل، لكن سرعان ما يتهاوى ذلك الألق، لأن الواقع غالباً ما يقف لكل حلم بحفنة من المثبطات والهواجس والهموم.

في الديوان رحلة طويلة، وتطواف سرمدي، وحديث لا ينتهي عن كل ما عبر في أفق الحياة التي أشرعت الشاعرة كنافذة نرقب من خلالها العالم، فالرحلة لن تنتهي بمجرد ذكر لمواقف، أو صور لأحداث إنما هي تطواف في حياة الإنسان، وشهادة عصرية مميزة تؤكد على أن الشعر رسالة مدهشة تنسكب في الذائقة كماء عذب، أو تعلق في الوجدان كصورة باذخة.

تعتمد الشاعرة سلوى أبو مدين على توظيف القصة الاجتماعية كإضافة هامة لتجارب الشعر، فهي إلى جانب كونها قصصاً مألوفة، تحمل في ثناياها صورة الشعر الذي يفتش عن مفردة تخدم النص وتهيل عليه من كرم المعاني ما يجعل القارئ على يقين بأنه سيحقق الفائدة، وسينهل من معين المتعة لحظة أن يتم قراءة هذا الديوان الذي عنيت به الشاعرة.

****

إيماءات

* وجه لم يقرأه أحد (شعر)

* سلوى أبو مدين

* دار المفردات الرياض - 1429هـ.

* يقع الديوان في نحو (130 صفحة) من القطع الصغير

* في الديوان مقاربة واقعية بين (الفرح والحزن)

*******

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب5217 ثم أرسلها إلى الكود 82244


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة