Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
قراءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
محمد حسين هيكل: من الناقد إلى المؤرخ 1 - 5
عبدالفتاح أبو مدين

 

من كان يطالع مقالات الدكتور محمد حسين هيكل منذ قدم من باريس، حاملاً درجة الدكتوراه في القانون، يظن أنه سيكون الناقد الأول في مصر، لأن آثاره المتوالية في النقد الأدبي جعلته في الطليعة بين الناقدين، وكان ممتازاً في هذا الباب ربما عن زميليه الدكتور طه حسين والأستاذ عباس محمود العقاد، لأن الدكتور طه كان مندفعاً في الهجوم لا يميل إلى هوادة، وكان في أحيان كثيرة يسهب ويطيل حتى يمل القارئ.. والأستاذ العقاد على ارتفاع مستواه وتألق ذهنه، كان دقيقاً في التعبير، وكان يركز المعاني تركيزاً يجعل من الصعوبة على القارئ الناشئ متابعته.. لذلك صادفت مقالات هيكل النقدية قبولاً كبيراً من القارئ، يضاف إلى ذلك أنه كان رائداً حقيقياً في القصة، إذ ألف (زينب) في نسقها الاجتماعي الشائق، فكانت مثالاً يحتذى لأدباء القصة، ولو كتب للدكتور هيكل أن يعكف على الفن القصصي وحده لربما كان الروائي الأول في مصر، ولكن اندماجه في السياسة الحزبية وإشرافه على أقوى جريدة في مصر نهجت نهجاً جديداً في التعبير، وأعني صحيفة -السياسة-.. كل ذلك ألقى عليه من التبعات ما صرفه عن معالجة القصة على نحو يرتضي، ولكن روح النقد قد تغلبت على نتاجه، فلم يستطع أن يتخلى عنها، فيما أصدر من بحوث نقدية في صدر شبابه.. وقد جمع مختارات منها في كتابيه الرائعين (في أوقات الفراغ) و(ثورة الأدب)، وهما مجموعتان تحفلان بالنقد الذاتي، والنقد الموضوعي.. وقد جعل المقال الافتتاحي الأول في كتاب (في أوقات الفراغ)، خاصاً بتوضيح ما يقصد من عبارتي النقد الذاتي والنقد الموضوعي، لأن الأمر في هذا التحديد لم يكن بيناً لدى جمهرة القارئ في الزمن البعيد الذي كتب فيه هذا البحث الدقيق، إذ صدر في جريدة السياسة بتاريخ 3 مارس 1925م، حين كان الدكتور طه حسين يدير معاركه حول الشعر العربي في مقالة أسبوعية، تصدر تحت عنوان (حديث الأربعاء).. وكان القراء في حاجة إلى تحديد معان فكرية يختطفها الدكتور طه، ولا يحددهما تحديداً تطمئن إليه النفوس الدارسة ومعطيات هذا المقال الجيد الذي صدر تحت عنوان (خواطر في النقد) أن الكتّاب في أوروبا يفرقون بين النقد الذاتي والنقد الموضوعي، ويرى الأكثرون، أن النقد الذاتي الذي يصدر فيه صاحبه عن مجرد تقديره الخاص، يكون إحساسه بالجمال نقداً غير جدير بالتقدير، لأن الناقد مهما يكن من سمو الإدراك وحسن الذوق لا يستطيع أن يضع كل صور الجمال ومظاهره في مستوى واحد أمام نظره، والذاتية في النقد داعية للتحكم، والناقد قاض، وكل ما يقال عن فضائل القاضي المستبد العادل، فإن فيه إلى جانب فضله نقصاً لا محيد له عنه لأنه كمين في طبيعته التي أرادها الفنان ذاته، فيحكم عليه في ضوء اتجاهه حكماً موضوعياً لا يتأثر بعواطفه الشخصية.. وللنقد الموضوعي على النقد الذاتي فضل سعة الأفق ومزية العدل، وبذلك يكون النقد الذاتي عند الدكتور هيكل ليس نقداً، ولكنه إلى فن القصص أقرب، لأنه لا يزيد عن وصف التأثرات الخاصة لشخص معيّن أمام مظهر من مظاهر الفن، فإذا كان هذا الشخص عادياً كان قصصه عادياً، وكذلك الناقد الذاتي، والمبحث جيده لا يغني تلخيص بعض نقاطه عن استيعابه.

وفي مجال التطبيق نختار مما كتبه الدكتور هيكل في كتاب (في أوقات الفراغ) بحثين كتبهما عن دائرة القرن العشرين للأستاذ محمد فريد وجدي، والآخر كتبه عن تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان، لأن الروح النقدية في الكتابين واحدة، وهي روح لا تنظر إلى العمل العلمي في ضوء ريادته الأولى التي تقتحم المجهول، فتقدم تأليفاً يصلح للنماء إذا جاء من يستثمره، ولكنه ينظر إليه مقارناً بما لدى الغرب من بحوث تتشابه في موضوعها، وذلك ظلم بيّن.. فهو مثلاً يقول في ص 167: (دائرة المعارف التي توضع على الطريقة العلمية الصحيحة، لا يقوم بوضعها رجل واحد، بل يشترك جماعته من بادئي الرأي في وضع الخطة التي تنهج فيها، فإذا تم وضع الخطة، استعانوا بكل عالم وبكل اختصاصي في العلم أو الفن الذي انقطع له، وطلبوا إليه أن يمدهم برأيه على الخطة التي وضعوا، ووضع دائرة المعارف على هذا الوجه الذي قام به الأستاذ وجدي، لا يتيسر لشخص واحد رغم المجهود الذي بذله، والذي يستحق عليه الثناء).

- جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة