Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
أزمة اللجان النسائية في الأندية الأدبية
بين قبائلية المسئول الثقافي وسلبية وزارة الثقافة
سهام القحطاني

 

يقول الغذامي في كتاب (ثقافة الوهم) الثقافة بوصفها سيادة معنوية لا بد أن تنهض للدفاع عن سيادتها فتضرب رموز المعارضة، ... بكل ما لديها من وسائل رمزية ومجازية وسردية) - ص139، 140 -

وهو قول لا بد أن نسترجعه ونحن نتابع الأزمة المتصاعدة بين اللجان النسائية ورؤساء الأندية الأدبية بدءاً من اللجنة النسائية في الطائف مروراً بالمنطقة الشرقية وصولاً إلى الرياض، وهي أزمة كان علينا أن نتوقعها؛ لأسباب عدة، ولكن قبل ذكرها عليّ أن أقول أمرا هو أنني كلما قرأت تفاصيل أزمة لجنة نسائية في أي نادٍ أدبي كنت ابتسم؛ ليس تشفياً باللجنة النسائية ولكن لأن وجهة نظري التي كنت أؤمن بها منذ البدء وما زلت وهي (فشل) اللجان النسائية قد بدأت تتحقق، فما بُني على باطل فهو باطل، ففكرة اللجان النسائية منذ البدء كانت فكرة تدعم التمييز العنصري، كما أنها تفتقد عوامل نجاحها لغياب ضمانات حقوقها ودورها الواضح كجزء على الافتراض من استراتيجية تطوير الفكر والعمل الثقافيين في الأندية وليست تحصيل حاصل كما هو في كثير من الأندية، كما أن المثقفة دخلت هذه التجربة دون أن يكون لها تصورها الخاص الذي يمكنها من تسجيل عقد ولو صورياً يضمن مسؤوليتها وحدودها، فهي أيضاً تتحمل جزءاً من هذه الأزمة.

وأعتقد أن كل اللجان النسائية في كل الأندية الأدبية دون استثناء تتعرض لمواقف الاضطهاد والتمييز والتهميش والتعسف وسياسة القطب الواحد والقصد المتعمد من قبل المسؤول الثقافي في ممارسة تحويل اللجان النسائية إلى شخصيات كرتونية بشكل أو آخر وبنسب ومستويات مختلفة.

لكن موقف اللجان النسائية من تلك السياسة هو الذي يختلف، فهناك لجان ترفض أن تتحول إلى شخصيات كرتونية وأن تخضع لسياسة الاضطهاد والتمييز والتعسف وكان تصعيدها للأزمة بياناً واضحاً لإيجابية المسؤولة الثقافية والخروج من الهامش إلى المركز، وهناك لجان قد تستطيع أن تضبط الحدّ المعقول للتأثير والمشاركة على الأقل من وجهة نظرها بصرف النظر عن مستوى التأثير والمشاركة وقيمتهما، فيتجاوز الطرفان اللجنة النسائية والمسؤول الثقافي الوصول إلى الصراع أو الأزمة.

لكن أكثر اللجان النسائية تميل إلى المسالمة والاستسلام للأمر الواقع والصمت وعدم تصعيد الأمور نحو الأزمة والقبول بأن تتحول إلى شخصية كرتونية.

ومن أسباب أزمة اللجان النسائية في الأندية الأدبية، الصراع بين الثابت والمتحول.

فالمسؤول الثقافي عندنا غير مهيأ للتعامل مع المرأة كشريك في صناعة القرار، كونها في رأيه ممثلة للهامش وهو ممثل للسيادة، والمشاركة كمحتوى متوازن لمتكافئين من وجهة نظره مفقودة؛ لأن المرأة لم تمر بتجربة رسمية على مستوى صناعة القرار في هذا المجال خلاف الرجل وتجربة العموم بلا شك لها تأثيرها على هذه النظرة، فوجود التجربة تفرض على الرجل قبول المرأة كشريك له في صناعة القرار، إضافة إلى المنهج الاجتماعي المتعارف عليه (التفكير القبائلي) وهو أن الرجل هو مصدر القرار والمرأة وسيلة تنفيذ، وهو ما حدث؛ أي نقل المنهج الاجتماعي إلى الأندية الأدبية ليظل المثقف يمارس دوره الاجتماعي كمصدر أحادي للقرار ويفرض على المرأة أن تمارس دورها الاجتماعي ذاته كوسيلة تنفيذ، مغيّبا خصائص المكان ومتطلبات المرحلة الذي يفترض عليه الالتزام بمنهج آخر منهج شراكي وليس منهجاً (أبوياً).

هذا التحوّل الذي طرأ على دور المثقفة داخل الأندية الأدبية والذي نقلها من دور المستقِبل إلى دور المرسِل أي تغيير صياغة العملية الاتصالية، صحيح أن هذا التغيير لم يصل إلى صناعة قرار لكنه أخاف المسؤول الثقافي من نتائج هذا التغيير في ذاته وهو التنافس على السلطة والسيادة الثقافيتين وهنا تتحول المسؤولة الثقافية إلى معارض بالنسبة للمسؤول الثقافي تهدد سيادته الثقافية إذا شاركته في صناعة القرار الثقافي وفي مكان واحد وهو شعور يدفعه إلى الدفاع عن سيادته وسلطته الثقافيتين بكل ما لديه من وسائل رمزية ومجازية، والطعام والمكان والحواجز والإضاءة والصوت كلها وسائل رمزية يستخدمها المسؤول المثقف للدفاع عن سيادته الثقافية، خاصة إذا كانت المسؤولة الثقافية تحظى بصفات ثقافية يفتقدها المسؤول الثقافي، وذلك الخوف مما سيترتب على دخول المثقفة تجربة المسؤولية الثقافية انعكس على موقف الاستقبال لقيمة هذا التحول من قبل المسؤول الثقافي، فلم يستقبله بموقف يتناسب مع حتمية هذا التحوّل فيُنتج سلوكاً يتناسب مع فكرة الشراكة بين المسؤول الثقافي والمسؤولة الثقافية، بل سعى إلى تهميش قيمة هذا التحوّل وتجميده من خلال تجيّره المستمر للمرجع الاجتماعي - الثابت بأن المرأة وسيلة تنفيذ والرجل مصدر القرار، وهكذا بدأ الصراع بين المسؤولة الثقافية التي ترفض الانصياع لفكرة الثابت لدورها الذي يؤمن بها المسؤول الثقافي وتتمسك بقيمة التحول لمسؤوليتها الثقافية وبين المسؤول الثقافي الذي يرفض فكرة التحول لدور المثقفة ويتمسك بفكرة الثابت لدور المرأة، أي إعادتها إلى المنظومة القبائلية التي تقوم على (الإقصاء والتمييز) -القبيلة والقبائلية، 25 - لذلك قلت ان الصراع بين الثابت والمتحول من أسباب هذه الأزمة.

وقد يقول معارض لهذا الرأي أن المثقفة تتشارك مع المثقف في ساحة الرأي ولا يحدث أي صراع بين الثابت والمتحوّل، وهو أمر لا أنكره، ولكن الأمر يختلف هنا عن هناك، لسببين، أولهما أن ساحة الرأي تجمع بين المثقف والمثقفة بمعنى أن المسؤولية الوظيفية هنا ملغاة؛ لأن الساحة الثقافية تسقط الوظائف والألقاب الثقافية الرسمية لمصلحة الرأي والتجربة وتصبح المفاضلة بناء على ذلك غير مقترنة بالسلطة والسيادة الثقافيتين بل بالجودة الثقافية، والسبب الثاني: أن المثقف لا يملك التحكم في الساحة الثقافية بمعنى تحديد دور وقيمة تأثير المثقفة قبولهما أو رفضهما لأنها فوق سلطته، لكن عندما يملك المثقف القدرة والسلطة أي عندما يتحول إلى مسؤول ثقافي يحدث ما حدث في اللجان النسائية في كل من الطائف والمنطقة الشرقية والرياض من اضطهاد وتعسف وتمييز.

ومن أسباب هذه الأزمة أيضا غياب الضمانات الرسمية لحقوق اللجان النسائية وهو ما شجع المسؤول الثقافي على ممارسة التمييز والتعسف والاضطهاد المعنوي ضد اللجان النسائية، وإن كانت طبيعة الممارسة مسؤولية المسؤول الثقافي في الأندية الأدبية، فمسؤولية أصل المشكلة هي وزارة الثقافة لأن اللجان الثقافية هي من بنات أفكارها وحتى وإن لم تكن بنتاً من بنات أفكارها فهي من شجعتها على النشوء والتشكل، وهي التي شجّعت على وجود تمييز عنصري عندما رضيت بوجود لجان نسائية مقابل لجان رجالية، وعندما جاء (وقت الجدّ) تهرّبت الوزارة في إيجاد حلّ لسلبيات هذه المشكلة حتى لا تٌغضب المسؤولين الثقافيين في الأندية لكن المسؤولة الثقافية فلتذهب إلى الجحيم.

فما الذي فعلته وزارة الثقافة نحو الشكاوي التي رفعت لها من قبل اللجان النسائية المتضررة من اضطهاد وتعسف رؤساء أنديتها؟ فسلبيتها نحو الأزمة الأولى ولدت الأزمة الثانية والثالثة، ورغم كل شيء ما زال الرؤساء على مقاعدهم يرددون:

(ويشرب غيرنا كدرا وطينا)

ولا أستبعد أن يجدد لهم التعيين في المرحلة القادمة، كما لا استبعد إن استمر هذا الوضع أن ندخل دائرة الفساد الثقافي بعد سوء التخطيط الثقافي.

وقد ترى الوزارة أن موقفها غير سلبي ومنطقها في ذلك أن اللجان النسائية غير معيّنة من قبل الوزارة لذلك فهي ليست من شؤون الوزارة وأنها شأن داخلي للنادي الأدبي باعتبار أن اللجنة النسائية هي من تعيينات المسؤول الثقافي، وهو منطق غير مقبول، لان الوزارة تبنت فكرة اللجان النسائية وشجعتها ولذلك فعليها بما أنها شريكة في الفكرة أن تتدخل لوقف أي مهزلة تتعرض لها تلك اللجان، كما أن الوزارة هي مسؤولة عن رئيس النادي بناء على التعيين وكذلك مسؤوليتها مكفولة نحو المسؤولة الثقافية باعتبارها مثقفة في المقام الأول قبل أن تكون عضواً في اللجنة النسائية، لكن لا أدري إن كانت الوزارة تستوعب هذه التركيبة أو لا.

فمن حق المثقفة سواء كانت مسؤولة ثقافية أو مثقفة أن تدافع عنها الوزارة وتحمي حقوقها وهذا واجب الوزارة ولا تستطيع أن تتملّص منه بأي حجة من الحجج.

كما أعتقد أنه من الطبيعي كان لا بد من وجود تصور استباقي لدى المسؤولين في الوزارة إلى ما سيحدث من سلبيات لفكرة اللجان النسائية وكيفية مواجهتها.

فعندما تقرر أي هيئة تبني فكرة مشروع لا بد من وضع تصور استباقي لنتائج هذا المشروع لصناعة نظام حماية ونظام علاج له.

والأمر كان يجب أن يتبع مع اللجان النسائية وخاصة أنها لجان غير رسمية، أي لا تحظى بأي قانون يحافظ على حقوقها ويحميها، وغياب القانون يشجع على الاحتيال والخداع والاضطهاد والظلم كما يشجع على تنفيذ مزاجية كل مسؤول ثقافي واستظهار عقده النفسية والاجتماعية وتحيزاته، وهذا لا يحدث حتى في أشد الثقافات رجعية لكنه عندنا يحدث.!

إن أزمة اللجان النسائية ليست أزمة عابرة بل هي جرس إنذار أتمنى أن تستوعب وزارة الثقافة دلالته، وهي أن فكرة اللجان النسائية خارج منظومة التعيين الرسمي فكرة فاشلة بل وساذجة، وأن اللجان النسائية لا تحقق مساواة المسؤولية الثقافية بين المثقف والمثقفة دون إطار قانوني بل على العكس تدعم السلوك التمييزي نحو المسؤولة الثقافية في غياب القانون.

وهما دلالتان يجب مراعاتهما من قبل الوزارة في المرحلة القادمة إذا فكرت في تكرار تجربة اللجان النسائية بحيث تُصاغ اللجان بطريقة مختلفة وفق معايير تحفظ حقوق المسؤولات الثقافية وتضمن لهن شراكة حقيقية في إدارة وإنجاز الأندية الأدبية وأن تكون الوزارة هي المسؤول المرجعي المباشرة لها وليس رئيس النادي أو نائبه، وهو ما سيفرض على رئيس النادي الالتزام بحقوق المسؤولة الثقافية واحترامها.

لكن على المستوى الشخصي أتمنى إلغاء اللجان النسائية في المرحلة القادمة وأن يكون هناك نظام يضمن للمثقفة استحقاقاتها في الإدارة الثقافية للنادي بحيث تتحقق مساواة المسؤولية لكلا الطرفين المثقفة والمثقف بعيدا عن التقسيم الذي يدعم التمييز العنصري ويوّلد الأزمات.

وهذا الأمر لن يتحقق إلا عبر ضبط آليات الترشيح وضبط مؤهلات الاختيار، فالترشيح يجب أن يكون من خلال المثقفة نفسها وليس من خلال رئيس النادي أو نائبه، وعلى أن يكون إعلان الترشيح بما يتضمن من شروط ومؤهلات المرشح أو المرشحة منشورا في الصحف والملاحق الثقافية لمدة شهر، وليس عن طريق الأندية الأدبية.

وأن ترفض الوزارة أي ترشيح لمثقف أو مثقفة عن طريق رئيس النادي الأدبي أو وساطة ضمانا للموضوعية والمصداقية والجودة الثقافية للمرشح أو المرشحة.

إضافة إلى تخصيص لجنة تابعة للوزارة وتتشكل من أعضاء الوزارة يتم من خلالها تدعيم وترشيح واختيار المسؤولة الثقافية وفق معايير مفاضلة موضوعية من أهمها ما تملكه المثقفة المرشحة للعضوية من مشروع ثقافي نهضوي سيسهم في تطور الفكر الثقافي للنادي، أي سحب أي صلاحية في هذا المجال من مجلس الأندية الأدبية وإعطائها للجنة التابعة للوزارة وتلك الآلية تطبق على المثقف والمثقفة على السواء حتى لا نفاجئ بأن كل من (هب ودب) أصبح عضواً في النادي الأدبي سواء من المثقفين أو المثقفات كما هو الآن.

وفي النهاية تظل الكرة في ملعب وزارة الثقافة الذي أتمنى ألا يكون منطقها كمنطق بعض رؤساء الأندية الأدبية من ذوي الدماء الباردة (ويشرب غيرنا كدرا وطينا).!

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة